صفحة جزء
18260 ( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر القاضي قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدثني الزهري ، عن عروة ، عن مروان ، والمسور بن مخرمة في قصة الحديبية ، وخروج سهيل بن عمرو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرى بينهما القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين ، وأن يأمن الناس بعضهم من بعض ، وأن يرجع عنهم عامهم ذلك حتى إذا كان العام المقبل قدمها خلوا بينه وبين مكة ، فأقام بها ثلاثا ، وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب ، وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك ، وأنه من أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا . وذكر الحديث في كتبة الصحيفة قال : فإن الصحيفة لتكتب إذ طلع أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد ، وقد كان أبوه حبسه ، فأفلت ، فلما رآه سهيل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بلبته فتله ، وقال : يا محمد ، قد ولجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا . قال : " صدقت " . وصاح أبو جندل بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي جندل : " أبا جندل ، اصبر ، واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا قد صالحنا هؤلاء القوم وجرى بيننا وبينهم العهد ، وإنا لا نغدر " . فقام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يمشي إلى جنب أبي جندل ، وأبوه يتله وهو يقول : أبا جندل ، اصبر ، واحتسب ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب ، وجعل عمر - رضي الله عنه - يدني منه قائم السيف ، فقال عمر - رضي الله عنه - رجوت أن يأخذه فيضرب به أباه فضن بأبيه . ثم ذكر الحديث في التحلل من العمرة ، والرجوع قالا : ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة واطمأن بها أفلت إليه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة ، فكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه الأخنس بن شريق ، والأزهر بن عبد عوف ، وبعثا بكتابهما مع مولى لهما ، ورجل من بني عامر بن لؤي استأجراه ليرد عليهما صاحبهما أبا بصير ، فقدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعا إليه كتابهما ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بصير فقال له : " يا أبا بصير ، إن هؤلاء القوم قد صالحونا على ما قد علمت ، وإنا لا نغدر ، فالحق بقومك " . فقال : يا رسول الله ، تردني إلى المشركين يفتنوني في ديني ويعبثون بي ؟ ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " اصبر يا أبا بصير ، واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين من المؤمنين فرجا ومخرجا " . قال فخرج أبو بصير وخرجا حتى إذا كانوا بذي الحليفة جلسوا إلى سور جدار ، فقال أبو بصير للعامري : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ قال : نعم . قال : أنظر إليه ؟ قال : إن شئت . فاستله فضرب به عنقه ، وخرج المولى يشتد ، فطلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " هذا رجل قد رأى فزعا " . فلما انتهى إليه قال : ويحك ما لك ؟ " . قال : قتل صاحبكم صاحبي ، فما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف ، فوقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله وفت ذمتك ، وأدى الله عنك ، وقد امتنعت بنفسي عن المشركين أن يفتنوني في ديني ، أو أن يعبثوا بي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ويل أمه ! محش حرب لو كان معه رجال " . فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص ، وكان طريق أهل مكة إلى الشام ، فسمع به من كان بمكة من المسلمين وبما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه فلحقوا به حتى كان في عصبة من المسلمين قريب من الستين أو السبعين ، فكانوا لا يظفرون برجل من قريش إلا قتلوه ، ولا تمر عليهم عير إلا اقتطعوها ، حتى كتبت فيها قريش إلى رسول الله - صلى الله [ ص: 228 ] عليه وسلم - يسألونه بأرحامهم لما آواهم فلا حاجة لنا بهم . ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدموا عليه المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية