صفحة جزء
960 ( وأخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، ثنا محمد بن يعقوب ، ثنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي في حديث عمار بن ياسر : لا يجوز على عمار إذا كان تيمم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الآية إلى المناكب عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه منسوخ إذ روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتيمم على الوجه والكفين ، أو يكون لم يرو عنه إلا تيمما واحدا ، فاختلفت روايته عنه فتكون رواية ابن الصمة التي لم تختلف أثبت ، وإذا لم تختلف فأولى أن يؤخذ بها لأنها أوفق لكتاب الله تعالى من الروايتين اللتين رويتا مختلفتين ، أو يكون إنما سمعوا آية التيمم عند حضور صلاة ، فتيمموا فاحتاطوا فأتوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد ، لأن ذلك لا يضرهم كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء ، فلما صاروا إلى مسألة النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم أنه يجزيهم من التيمم أقل ما فعلوه ، وهذا أولى المعاني عندي لرواية ابن شهاب من حديث عمار بما وصفت من الدلائل . قال الشافعي : وإنما منعنا أن نأخذ برواية عمار بن ياسر في أن تيمم الوجه والكفين بثبوت الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه مسح وجهه وذراعيه . وأن هذا أشبه بالقرآن وأشبه بالقياس فإن البدل من الشيء إنما يكون مثله .

وروى الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني عن الشافعي حديث ابن عمر في التيمم : ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين . ثم قال : قال أبو عبد الله - يعني الشافعي - : وبهذا رأيت أصحابنا يأخذون ، وقد روي فيه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو أعلمه ثابتا لم أعده ولم أشك فيه ، وقد قال عمار : تيممنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب ، وروي عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : الوجه والكفين . وكأن قوله : تيممنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب لم يكن عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ثبت عن عمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الوجه والكفين ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المرفقين فما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى وبهذا كان يفتي سعيد بن سالم ، فكأنه في القديم شك في ثبوت الحديثين لما ذكرنا في كل واحد منهما .

ومسح الوجه والكفين في حديث عمار ثابت ، وهو أثبت من حديث مسح الذراعين إلا أن حديث مسح الذراعين أيضا جيد بالشواهد التي ذكرناها ، وهو في قصة أخرى ، فإن كان حديث عمار في ابتداء التيمم حيث نزلت الآية ورجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرهم أنه يجزيهم من التيمم أقل مما فعلوا ، فحديث مسح الذراعين بعده فهو أولى بأن يتبع ، وهو أشبه بالكتاب والقياس وهو فعل ابن عمر صحيح عنه ، وقد روي عن علي وابن عباس مسح الوجه والكفين وروي عن علي بخلافه .

[ ص: 212 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية