صفحة جزء
206 - حدثنا محمد بن أحمد بن الجنيد قال : نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : نا أبي ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب أن عبيد الله بن أبي ثور حدثه عن عبد الله بن عباس قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال لهما ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) حتى خرجت معه فنزل ذات يوم فعدلت معه بالإداوة فتبرز ، ثم جاء فصببت على يديه فتوضأ فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال: ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) فقال : واعجبا لك يا ابن عباس هي حفصة وعائشة ، ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال : إني كنت نزلت على حي من الأنصار أو على بيت من الأنصار من بني أمية بن زيد ، وكنا نتناوب النزول فينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته من خبر يومي بما ينزل من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك، وكنا معشر [ ص: 319 ] قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن راجعتني فقالت : ولم تنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل ، فكبر ذلك علي ، فقلت : قد خاب من عمل ذلك منهن، فجمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لها : يا حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى الليل ؟ قالت : نعم ، قلت : قد خبت وخسرت أتأمنين أن يغضب الله - عز وجل - لغضب رسوله فتهلكين ، فلا تستكثري أو لا تستنكري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وتسأليني ما بدا لك ، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يريد : عائشة .

قال عمر : وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، قال : فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلي ممسيا فضرب بابي ضربا شديدا ثم قال : أنائم هو ؟ قال : ففزعت فخرجت إليه فقال : قد حدث أمر عظيم قلت : ما هو ؟ أجاءت غسان ؟ قال بل أعظم من ذلك ، طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، فقلت : قد خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون ، فجمعت علي ثيابي فقضيت صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشربة له يعتزل فيها ، قال : فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت : ما لك ؟ حدثيني حديثك هل طلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت : لا أدري ها هو ذا معتزل في هذه المشربة ، فخرجت حتى [ ص: 320 ] جئت المنبر فإذا عنده رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر بن الخطاب ، قال : فدخل الغلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم خرج الغلام إلي فقال : قد ذكرتك فصمت ، فانصرفت فخرجت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فقلت للغلام: استأذن لعمر بن الخطاب فدخل ثم رجع إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، قال : فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، فلما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني قال : قد أذن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش ، قد أثر رمال الحصير بجنبه متكئا على وسادة من أدم محشوة ليفا فسلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت وأنا قائم : يا رسول الله أطلقت نساءك ؟ قال : فرفع إلي بصره فقال : " لا " فقلت : الله أكبر ، وأنا قائم يا رسول الله : لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة، قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فغضبت على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت ذلك عليها ، فقالت : أتنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن حتى الليل ، قال : قلت : قد خابت حفصة وخسرت ، أتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت ، قال : فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فقلت : لو رأيتني وقد دخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يريد : عائشة ، فتبسم تبسمة أخرى ، قال : فجلست [ ص: 321 ] حتى رأيته قد تبسم فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة ، قال : قلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، قال : فاستوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان متكئا فقال : " أو في شك أنت يا ابن الخطاب ، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " فقلت : يا رسول الله استغفر لي ، قال : فاعتزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه من أجل ذلك الحديث .

قالت عائشة : وكان قال : ما أنا بداخل عليكن شهرا من شدة موجدته - صلى الله عليه وسلم - حين حدثه الله حديثهن فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة : قد كنت أقسمت يا رسول الله ألا تدخل علينا شهرا وإنا أصبحنا من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشهر تسع وعشرون ليلة " ، قالت عائشة : فأنزل الله التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فقال : " إني عارض عليك أمرا ألا فلا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك " وقد علم أن أبواي لم يكونا يأمراني بفراقه ، قالت : فقلت : وما هو ؟ قال : " إن الله قال : ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا
وإن كنتن تردن الله ورسوله ) " قالت : فقلت : في أي هذا أستأمر أبوي فهلا عرضت هذا على من هو أكبر مني من نسائك ؟ قالت : فقال : بل أنت ، قالت : فقلت : قبل أن أستشير أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، قال : ويقال : إن عائشة قالت : فإني رضيت بالله ورسوله على العسر واليسر ، قالت عائشة : ثم دخل رسول [ ص: 322 ] الله - صلى الله عليه وسلم - على نسائه فخيرهن فكن على كلمة واحدة كما قالت عائشة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية