صفحة جزء
9017 عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ، يزيد أحدهما على الآخر ، عن سعيد بن جبير قال : سلوني يا معشر الشباب ، فإني أوشكت أن أذهب من بين أظهركم ، فأكثر الناس مسألته ، فقال له رجل : أصلحك الله ، أرأيت المقام هو كما كنا نتحدث ؟ قال : ماذا كنت تتحدث ؟ قال : كنا نقول : إن إبراهيم عليه السلام حين جاء عرضت عليه أم إسماعيل النزول فأبى فجاءت بهذا الحجر فقال : ليس كذلك ، قال سعيد : قال ابن عباس : أول ما اتخذت النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت ، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الموضع ؟ ليس [ ص: 106 ] فيه إنس ولا شيء ، فقالت له ذلك مرارا ، وهو لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قالت : إذا لا يضيعنا ، ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهذه الدعوات : ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم حتى يشكرون وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء ، عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، - أو قال : يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي ، رفعت طرف درعها ، وسعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة ، فقامت عليها ، ونظرت هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات ، قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فلذلك سعى الناس بينهما " فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت : صه ، تريد نفسها ثم [ ص: 107 ] تسمعت ، فسمعت أيضا ، ثم قالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا بالملك عند موضع زمزم يبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه هكذا ، وتقول بيدها وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تغور بقدر ما تغرف ، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ، أو قال لم تغرف من الماء كانت زمزم عينا معينا " قال : فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة ، فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، [ و ] إن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول تأخذ عن يمينه وشماله ، فكانوا كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء ، فنزلوا بأسفل مكة ، فرأوا طائرا حائما فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء [ ص: 108 ] لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جريا أو جريين ، فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء ، وأم إسماعيل صلى الله عليه وسلم عند الماء فقالوا : تأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء قالوا : نعم .

قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس " ، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم ، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم ، وشب الغلام وتعلم العربية منهم أنفسهم ، وأعجبهم حين شب الغلام ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، وماتت أم إسماعيل ، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته ، فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه ، فقالت : خرج يبتغي لنا ، ثم سأل عن هيئتهم ، وعن عيشهم ، فقالت : نحن بشر في ضيق وشدة ، وشكت إليه قال : فإذا جاء زوجك فاقريه السلام ، وقولي له يغير عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل كأنه أنس شيئا قال : فهل جاءكم من أحد ؟ قالت : نعم ، جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألنا عنك ، فأخبرته ، وسألنا عن عيشنا ، فأخبرته [ ص: 109 ] أنا في شدة وجهد قال : أبي أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم ، أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول : غير عتبة بابك قال : ذلك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك ، الحقي بأهلك ، فطلقها ، ثم تزوج أخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد ذلك ، فلم يجده ، فدخل على امرأته ، فسأل عنه قالت : خرج يبتغي لنا قال : كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم قالت : بخير ، ونحن في سعة ، وأثنت على الله قال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء قال : اللهم بارك لهم في اللحم [ والماء ] ، قال النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ : " لم يكن حب ، ولو كان لهم حب دعا لهم فيه " قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه مني السلام ، وأمريه أن يثبت عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل قال : هل أتاك أحد ؟ قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، وسألني عنك فأخبرته ، وسألني عن عيشنا فقلت : إنا بخير قال : هل أوصاك بشيء ؟ قالت : هو يقرأ عليك السلام ، ويقول لك أن تثبت عتبة دارك قال : [ ص: 110 ] ذلك أبي وأنت العتبة ، فأمرني أن أمسكك ، ثم لبث عنهم ما شاء الله ، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم ، فلما رآه قام ، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد ، ثم قال : يا إسماعيل ، إن الله يأمرني أن أبتني بيتا هاهنا ، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها يأتيها السيل من ناحيتها ، ولا يعلو عليها فقاما ، يحفران عن القواعد ، فعند ذلك رفع القواعد من البيت ، فجعل إبراهيم يأتي بالحجارة وإسماعيل يبني حتى إذا ارتفع البناء ، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني ، وإسماعيل يناوله وهما يقولان : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان : [ ص: 111 ] ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . قال معمر : " وسمعت رجلا يقول : كان إبراهيم يأتيهم على البراق " قال : " وسمعت رجلا آخر يقول : بكيا حين التقيا حتى أجابتهم الطير " .

قال معمر : إن عمر بن الخطاب قال لقريش : " إنه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم فتهاونوا به ، ولم يعظموا حرمته ، فأهلكهم الله ، ثم وليه بعدهم جرهم فتهاونوا فيه ، ولم يعظموا حرمته ، فأهلكهم الله فلا تهاونوا به وعظموا حرمته " .

التالي السابق


الخدمات العلمية