صفحة جزء
غزوة الحديبية

9720 عبد الرزاق ، عن معمر قال : أخبرني الزهري : قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ، صدق كل واحد منهما صاحبه قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره ، وأحرم بالعمرة ، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال : إني قد تركت كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أشيروا علي [ أترون ] أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين [ ص: 331 ] محروبين ، وإن يجيئوا تكن عنقا قطعها الله ، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا قاتلناه " فقالوا : رسول الله أعلم ، يا نبي الله إنما جئنا معتمرين ، ولم نجئ لقتال أحد ، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فروحوا إذا " .

قال معمر : قال الزهري : وكان أبو هريرة يقول : ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الزهري في حديث مسور بن مخرمة ، ومروان : فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين " فوالله ما شعر بهم خالد إذا هو بقترة الجيش فانطلق فإذا هو يركض نذيرا لقريش ، وسار [ ص: 332 ] النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس : حل حل فقالوا : خلأت القصواء ، خلأت [ القصواء ] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ، ولكنها حبسها حابس الفيل " ثم قال : " والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله ، إلا أعطيتهم إياها " ثم زجرها فوثبت به قال : فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا ، فلم يلبثه الناس أن نزحوه ، فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزع سهما من كنانته ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه قال : فوالله مازال يجيش لهم بالري [ ص: 333 ] حتى صدروا عنه ، فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال : إني تركت كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي [ نزلوا ] أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك وصادوك ، عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنا جئنا معتمرين ، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب ، وأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم لهم مدة ، ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإن لا فقد جموا ، إن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفدن [ الله ] أمره " ، [ ص: 334 ] فقال بديل : سأبلغهم ما تقول ، فانطلق حتى أتى قريشا فقال : إنا جئناكم من عند هذا الرجل ، وسمعناه يقول قولا . فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم : هات ما سمعته يقول [ قال : سمعته يقول ] كذا وكذا ، فحدثهم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال : أي قومي ألستم بالولد ؟ قالوا : بلى قال : أولست بالوالد ؟ قالوا : بلى قال : فهل تتهموني ؟ قالوا : لا قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ، ومن أطاعني ؟ قالوا : بلى قال : فإن هذا قد عرض عليكم خصلة رشد فاقبلوها ، ودعوني آته فقالوا : فأته ، فأتاه قال : فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل ، فقال عروة عند ذلك : [ ص: 335 ] أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى فإني لأرى وجوها ، وأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا عنك ، فقال أبو بكر رحمه الله ورضي عنه : امصص بظر اللات ، وأنحن نفر عنه وندعه ؟ فقال : من ذا ؟ قال أبو بكر قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك . قال : وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف ، وعليه المغفر ، فكلما أهوى عروة يده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف ، وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع عروة رأسه ، [ ص: 336 ] فقال : من هذا ؟ فقالوا : المغيرة بن شعبة فقال : أي غدر أولست أسعى في غدرتك ، وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء " ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه قال : فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في يد رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه [ النظر ] تعظيما له قال فرجع عروة إلى أصحابه فقال : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ، فقال رجل من كنانة دعوني آته فقالوا : ائته [ ص: 337 ] فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له " فبعثوها له ، واستقبله القوم يلبون ، فلما رأى ذلك قال : " سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت " قال : فلما رجع إلى أصحابه قال : " رأيت البدن قد قلدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدوا عن البيت " فقال رجل منهم يقال له مكرز بن حفص : دعوني آته قالوا ائته ، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذا مكرز ، وهو رجل فاجر " فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينا هو يكلمه إذ جاءه سهيل بن عمرو .

قال معمر : فأخبرني أيوب ، عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه قد سهل لكم من أمركم " .

قال معمر : قال الزهري في حديثه : فجاء سهيل بن عمرو [ فقال : هات اكتب بيننا وبينكم كتابا ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل : أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب باسمك اللهم ، كما كنت تكتب فقال المسلمون : والله لا يكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب : " باسمك اللهم " ثم قال : " هذا [ ص: 338 ] ما فاصل عليه محمد رسول الله " ، فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني " ، اكتب : " محمد بن عبد الله " قال الزهري : وذلك لقوله : " لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمة الله إلا أعطيتهم إياها " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " على أن تخلوا بيننا وبين البيت ، فنطوف به " فقال سهيل : لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل ، فكتب ، فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منا رجل ، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده [ إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا لم نقض الكتاب بعد " قال : فوالله إذا لم أصالحك على شيء

[ ص: 339 ] أبدا ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فأجزه لي " فقال : ما أنا بمجيزه لك قال : " بلى فافعل " قال : ما أنا بفاعل ، قال مكرز : بلى قد أجزناه لك ، فقال أبو جندل : أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ؟ ألا ترون ما قد لقيت ، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله ، فقال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ألست نبي الله حقا ؟ قال : " بلى " قال : قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : " بلى " قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا ؟ فقال : " إني رسول الله ولست أعصيه ، وهو ناصري " قلت : أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : " بلى ، فأخبرتك أنك تأتيه العام " قلت : لا قال : " فإنك آتيه ومطوف به " قال : فأتيت أبا بكر : فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا إذا ؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله ، وليس يعصي ربه ، وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه حتى تموت ، فوالله إنه [ ص: 340 ] لعلى الحق ، قلت : أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : فأخبرك أنه سيأتيه العام ، قلت : لا ، قال فإنك آتيه ، ومطوف به قال الزهري : قال عمر : فعملت لذلك أعمالا .

قال : فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " قوموا فانحروا ، ثم احلقوا " قال فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قال ذلك ثلاث مرات قال : فلما لم يقم منهم أحد ، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ، اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فقام ، فخرج ، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد يقتل بعضهم بعضا غما .

ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك ، فتزوج أحدهما معاوية بن أبي سفيان ، والأخرى صفوان بن أمية .

[ ص: 341 ] ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير ، رجل من قريش وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا : العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا حتى إذا بلغا به ذا الحليفة ، فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا ، فاستله الآخر فقال : أجل والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه فأمكنه منه ، فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : " لقد رأى هذا ذعرا " فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قتل والله صاحبي ، وإني لمقتول ، فجاء أبو بصير فقال : يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم ، ثم أنجاني الله منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد " ، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى [ ص: 342 ] أتى سيف البحر قال : وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة .

قال : فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لهم فقتلوهم ، وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم إلا أرسل إليهم ، فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فأنزل الله وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم حتى بلغ ( حمية الجاهلية ) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ، ولم يقروا ب ببسم الله الرحمن الرحيم ، وحالوا بينه وبين البيت " .


التالي السابق


الخدمات العلمية