صفحة جزء
1966 - أن أحمد بن عبدة حدثنا قال : ثنا يزيد بن زريع ، ثنا سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على نهر من ماء السماء في يوم صائف ، والمشاة كثير ، والناس صيام ، فوقف عليه ، فإذا فئام من الناس ، فقال : " يا أيها الناس ، اشربوا " فجعلوا ينظرون إليه قال : " إني لست مثلكم ، إني راكب وأنتم مشاة ، وإني أيسركم اشربوا " فجعلوا ينظرون إليه ما يصنع فلما أبوا حول وركه فنزل وشرب وشرب الناس .

وخبر ابن عباس ، وأنس بن مالك خرجتهما في كتاب الصيام في كتاب الكبير .

أفيجوز لجاهل أن يقول : الشرب جائز للصائم ، ولا يفطر الشرب الصائم ؟ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أصحابه وهو صائم بالشرب ، فلما امتنعوا شرب وهو صائم ، وشربوا ، فمن يعقل العلم ، ويفهم الفقه يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صار مضطرا وأصحابه بشرب الماء ، وقد كانوا نووا الصوم ، ومضى بهم بعض النهار ، وكان لهم أن يفطروا ، إذ كانوا في السفر لا في الحضر ، وكذلك كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحتجم وهو صائم في السفر وإن كانت الحجامة تفطر الصائم ؛ لأن من جاز له الشرب - وإن كان الشرب مفطرا - جاز له الحجامة - وإن كان بالحجامة مفطرا - فأما ما احتج به بعض العراقيين في هذه المسألة أن الفطر مما يدخل ، وليس مما يخرج ، فهذا جهل وإغفال من قائله وتمويه على من لا يحسن العلم ولا يفهم الفقه وهذا القول من قائله خلاف دليل كتاب الله وخلاف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلاف قول أهل الصلاة من أهل الله جميعا إذا جعلت هذه اللفظة على ظاهرها قد دل الله في محكم تنزيله أن المباشرة هي الجماع في نهار الصيام ، والنبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد أوجب على المجامع في رمضان عتق رقبة إن وجدها وصيام شهرين متتابعين إن لم يجد الرقبة أو إطعام ستين مسكينا إن لم [ ص: 947 ] يستطع الصوم " ، والمجامع لا يدخل جوفه شيء في الجماع ، إنما يخرج منه مني إن أمنى ، وقد يجامع من غير إمناء في الفرج ، فلا يخرج من جوفه أيضا مني ، والتقاء الختانين من غير إمناء يفطر الصائم ، ويوجب الكفارة ولا يدخل جوف المجامع شيء ولا يخرج من جوفه شيء إذا كان المجامع هذه صفته ، والنبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد أعلم أن المستقيء عامدا يفطره الاستقاء على العمد ، واتفق أهل الصلاة وأهل العلم على أن الاستقاء على العمد يفطر الصائم ولو كان الصائم لا يفطره إلا ما يدخل جوفه ، كان الجماع والاستقاء لا يفطران الصائم .

وجاء بعض أهل الجهل بأعجوبة في هذه المسألة ، فزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " لأنهما كانا يغتابان فإذا قيل له : فالغيبة تفطر الصائم ؟ زعم أنها لا تفطر الصائم ، فيقال له : فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندك إنما قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " لأنهما كانا يغتابان والغيبة عندك لا تفطر الصائم ، فهل يقول هذا القول من يؤمن بالله ، يزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم أمته أن المغتابين مفطران ، ويقول هو : بل هما صائمان غير مفطرين ، فخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوجب الله على العباد طاعته واتباعه ، ووعد الهدى على اتباعه ، وأوعد على مخالفيه ، ونفى الإيمان عمن وجد في نفسه حرجا من حكمه ، فقال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [ النساء : 65 ] الآية ، ولم يجعل الله - جل وعلا - لأحد خيرة فيما قضى الله ورسوله ، فقال - تبارك وتعالى - : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [ الأحزاب : 36 ] . والمحتج بهذا الخبر إنما صرح بمخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نفسه ، بلا شبهة ولا تأويل يحتمل الخبر الذي ذكره ، إذا زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال للحاجم والمحجوم : [ ص: 948 ] مفطران لعلة غيبتهما ثم هو زعم أن الغيبة لا تفطر ، فقد جرد مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا شبهة ولا تأويل " .

1967 - وقد روي عن المعتمر بن سليمان ، عن حميد ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد : : " رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في القبلة للصائم " والحجامة للصائم .

حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ثنا المعتمر ، وهذه اللفظة : والحجامة للصائم إنما هو من قول أبي سعيد الخدري ، لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدرج في الخبر . لعل المعتمر حدث بهذا حفظا فاندرج هذه الكلمة في خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال : قال أبو سعيد : ورخص في الحجامة للصائم ، فلم يضبط عنه : قال أبو سعيد ، فأدرج هذا القول في الخبر " .

التالي السابق


الخدمات العلمية