صفحة جزء
باب ما جاء في قراءة قل هو الله أحد وتبارك الذي بيده الملك

حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن
6 - باب ما جاء في قراءة ( قل هو الله أحد ) و ( تبارك الذي بيده الملك )

483 486 - ( مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة ) بصادين قبل كل عين مهملات الأنصاري المازني ، ثقة ، مات في خلافة المنصور ( عن أبيه ) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة التابعي الثقة ، قال الحافظ : هذا هو المحفوظ . ورواه جماعة عن مالك فقالوا : عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، أخرجه النسائي والإسماعيلي والدارقطني ، وقالوا : الصواب الأول .

( عن أبي سعيد ) سعد بن مالك بن سنان ( الخدري أنه سمع رجلا ) هو قتادة بن النعمان أخو أبي سعيد لأمه كما رواه أحمد وغيره ، وبه جزم ابن عبد البر وكانا متجاورين ، وفي رواية التنيسي عن أبي سعيد أن رجلا سمع رجلا فكأنه أبهم نفسه وأخاه ( يقرأ قل هو الله أحد ) كلها حال كونه ( يرددها ) ; لأنه لم يحفظ غيرها أو لما رجاه من فضلها وبركتها ، قاله أبو عمر ( فلما أصبح ) أبو سعيد ( غدا إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك ) الذي سمعه ( له وكان ) فعل ماض ، وبشد النون ( الرجل ) بالنصب والرفع الذي جاء وذكر ، وهو أبو سعيد ( يتقالها ) بشد اللام أي يعتقد أنها قليلة في العمل لا في التنقيص ، وللدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك فقال : إن لي جارا يقوم بالليل فما يقرأ إلا بقل هو الله أحد ( فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ) باعتبار معانيه ; لأنه أحكام وأخبار وتوحيد فاشتملت على الثاني فهي ثلثه بهذا الاعتبار .

واعترضه ابن عبد البر بأن في القرآن آيات كثيرة أكثر مما فيها من التوحيد كآية الكرسي وآخر الحشر ولم يرد فيها ذلك . وأجاب أبو العباس القرطبي بأنها اشتملت على اسمين من [ ص: 28 ] أسماء الله تعالى متضمنين جميع أوصاف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور وهما : الأحد الصمد ; لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال ; لأن الأحد يشعر بوجوب الخاص الذي لا يشارك فيه غيره ، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال ; لأنه الذي انتهى مورده ، فكان يرجع مرجع الطلب منه وإليه ، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جميع فضائل الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى ، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام معرفة الذات وصفات الفعل ثلثا .

وقال قوم : معناه تعدل ثلث القرآن في الثواب ، وضعفه ابن عقيل بحديث : " من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات " . وقال إسحاق بن راهويه : ليس المراد أن من قرأها ثلاث مرات كمن قرأ القرآن جميعه هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة . قال ابن عبد البر : فلم يبق إلا أنها تعدل ثلثه في الثواب لا أن من قرأها ثلاثا كمن قرأه كله ، وهذا ظاهر الحديث . وقيل : معناه أن الرجل لم يزل يرددها حتى بلغ ترديده لها بالكلمات والحروف والآيات ثلث القرآن ، وهذا تأويل بعيد عن ظاهر الحديث ، ثم قال : السكوت في هذه المسألة وشبهها أفضل من الكلام فيها وأسلم ، قال السيوطي : وإلى هذا نحا جماعة كابن حنبل وابن راهويه ، وأنه من المتشابه الذي لا يدرى معناه وإياه أختار ، انتهى .

ونقل ابن السيد حمله على ظاهره عن الفقهاء والمفسرين ، قال الأبي وهو الأظهر وخبر مسلم : " أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ قالوا : وكيف ؟ قال : ( قل هو الله أحد ) " ظاهر بل نص في ذلك . وكذا حديث : احشدوا أي اجتمعوا ، قال : ولم يؤثر العلماء قراءتها على السور الطوال ; لأن المطلوب التدبر والاتعاظ واقتباس الأحكام .

وقال الباجي : يحتمل أنها تعدل ثلثه لمن لا يحسن غيرها ومنعه من تعلمه عذر . ويحتمل أن أجرها مع التضعيف يعدل أجر ثلث القرآن بلا تضعيف .

ويحتمل أن الاعتناء لذلك القاري أو القارئ على صفة ما من الخشوع والتدبر وتجديد الإيمان مثل أجر من قرأ ثلث القرآن على غير هذه الصفة ، والله يضاعف لمن يشاء .

قال عياض : ومعنى بلا تضعيف أي ثواب ختمة ليس فيها ( قل هو الله أحد ) ، قال الأبي : يريد أنها إن كانت فيها تسلسل . وفي مسلم والترمذي عن أبي هريرة : قال ، صلى الله عليه وسلم : " احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، فحشد من حشد ، ثم خرج نبي الله فقرأ : ( قل هو الله أحد ) ، ثم دخل ، فقال بعض لبعض : أرى هذا خبرا جاءه من السماء فذاك الذي أدخله ، ثم خرج نبي الله فقال : " إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن ألا إنها تعدل ثلث القرآن " . وإذا حمل على ظاهره فهل ذلك الثلث معين أو أي ثلث كان ، فيه نظر ، وعلى الثاني من قرأها ثلاثا كان كمن قرأ ختمة كاملة . وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، وفي الأيمان والنذور عن عبد الله بن مسلمة كلاهما عن مالك به

التالي السابق


الخدمات العلمية