صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له
494 497 - ( مالك ، عن أبي الزناد ) بكسر الزاي ( عن الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله قال : لا يقل أحدكم إذا دعا ) طلب من الله ( اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ) زاد في رواية همام عن أبي هريرة عند البخاري : اللهم ارزقني إن شئت ; لأن التعليق بالمشيئة إنما يحتاج إليه إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلمه بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه ، والله تعالى منزه عن ذلك فلا فائدة للتعليق ، وقيل : لأن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب ، والمطلوب منه والأول أولى

قال ابن عبد البر : لا يجوز لأحد أن يقول : اللهم أعطني إن شئت ، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا ; لأنه كلام مستحيل لا وجه له إذ لا يفعل إلا ما يشاء ، وظاهره أنه حمل النهي على التحريم وهو الظاهر ، وحمله النووي على كراهة التنزيه وهو أولى .

( ليعزم المسألة ) قال الداودي : أي يجتهد ويلح ، ولا يقول إن شئت كالمستثنى ، ولكن دعاء البائس الفقير ، وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا يمنع وهو [ ص: 45 ] جيد قاله الحافظ . وقال الباجي : أي يخلي سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة ; لأنها إنما تشترط في من يصح أن يفعل دون أن يشاء لإكراه أو غيره ، فينبغي أن يسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا ما يشاء ، وقد بين ذلك ، صلى الله عليه وسلم ، بقوله : ( فإنه ) تعالى ( لا مكره له ) بكسر الراء ، قال ابن بطال فيه : أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ، ويكون على رجاء الإجابة ، ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما .

قال ابن عيينة : لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم من نفسه ، يعني من التقصير ، فإن الله تعالى قد أجاب دعاء شر خلقه ، وهو إبليس ، حين قال : ( رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) ( سورة الحجر : الآية 36 ) وفي الترمذي : وقال غريب عن أبي هريرة مرفوعا : " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه " . قال التوربشتي : أي كونوا على حالة تستحقون فيها الإجابة ، وذلك بإتيان المعروف واجتناب المنكر وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء وآدابه ، حتى تكون الإجابة على القلب أغلب من الرد ، أو المراد ادعوه معتقدين وقوع الإجابة ; لأن الداعي إذا لم يكن متحققا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقا ، وإذا لم يصدق رجاؤه لم يكن الرجاء خالصا والداعي مخلصا ، فإن الرجاء هو الباعث على الطلب ، ولا يتحقق الفرع إلا بتحقيق الأصل ، وهذا الحديث رواه البخاري وأبو داود عن القعنبي عن مالك به ، وهو في الصحيحين من حديث أنس بنحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية