صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة وهو مريض في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت في ثلاثة أثواب بيض سحولية فقال أبو بكر خذوا هذا الثوب لثوب عليه قد أصابه مشق أو زعفران فاغسلوه ثم كفنوني فيه مع ثوبين آخرين فقالت عائشة وما هذا فقال أبو بكر الحي أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هذا للمهلة
522 524 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد أنه قال : بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة ) وهذا رواه البخاري من طريق وهيب ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : دخلت على أبي بكر ( وهو مريض ) مرض الموت بمرض السل أو بسم يهودية في خزيرة أو غيرها أهدتها له ، فتعلل سنة ، أو باغتساله في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما ومات ، روايات لا منافاة بينها فقد يكون أكل السم وتعلل لكن لم ينقطع وحصل له بسبب ذلك مرض السل ، ثم في شهر [ ص: 76 ] موته اغتسل فحم حتى مات ، فجمع الله له ذلك زيادة في الزلفى ورفع الدرجات ( في كم ) معمول مقدم لقوله ( كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) سألها وإن كان إنما تولى غسله وتكفينه صلى الله عليه وسلم أهله علي والعباس وابنه الفضل ; لأن ذلك كان في بيتها فشاهدته ، قيل : ذكر لها أبو بكر ذلك بصيغة الاستفهام توطئة لها للصبر على فقده واستنطاقا لها بما يعلم أنه يعظم عليها ذكره لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم عليها ; لأنه يبعد أن يكون أبو بكر نسي ما سألها عنه لقرب العهد ، ويحتمل أن السؤال عن الكفن على حقيقته ; لأنه لم يحضر ذلك لاشتغاله بأمر البيعة ( فقالت : في ثلاثة أثواب بيض سحولية ) بفتح السين وضمها ( فقال أبو بكر : خذوا هذا الثوب لثوب عليه ) زاد البخاري : كان يمرض فيه ( قد أصاب به مشق ) بكسر الميم وإسكان الشين المغرة عند أهل المدينة بفتح الميم والعين وبسكون الغين لغتان ، قاله أبو عبد الملك ( أو زعفران ) وفي رواية البخاري به ردغ من زعفران ( فاغسلوه ) لتزول الحمرة التي فيه أو علم فيه شيئا ، وإلا فالثوب اللبيس لا يجب غسله قاله سحنون ( ثم كفنوني فيه مع ثوبين آخرين ) موافقة لما فعل بالمصطفى ( فقالت عائشة : وما هذا ؟ ) وفي رواية البخاري قلت : إن هذا خلق ( فقال أبو بكر : الحي أحوج إلى الجديد من الميت ، وإنما هذا للمهلة ) رواه يحيى بكسر الميم ، وروي بضمها ، وروي بفتحها ، قاله عياض ، ثم هاء ساكنة ، ثم لام ، وهي الصديد والقيح الذي يذوب فيسيل من الجسد ، ومنه قيل للنحاس الذائب مهل كما في النهاية ، قال أبو عمر : من ضم الميم شبه الصديد بعكر الزيت وهو المهل والمهلة ، قال الباجي : ورواه أبو عبيد وإنما هو للمهل والتراب ، قال : ويحتمل أنه أوصى بتكفينه في هذا الثوب ; لأنه لبسه في الحروب وأحرم فيه ، وفيه اعتبار وصية الميت في كفنه وغيره إذا وافق صوابا . روى علي عن مالك : " إذا أوصى أن يكفن بسرف كفن منه بالقصد فإن لم يوص وتشاح الورثة لم ينقص عن ثلاثة أثواب من جنس ما كان يلبس في حياته " وقال غيره : يحتمل أن أبا بكر اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك به لكونه صار إليه من النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهد فيه أو تعبد فيه ، ويؤيده ما رواه ابن سعد قال أبو بكر : كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما ، وإن كان ظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الكفن لقوله إنما هو للمهلة . وروى أبو داود عن علي قال : " قال صلى الله عليه وسلم : لا تغالوا في الكفن فإنه يسلبه سريعا " ، ولا يدافع قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " رواه مسلم عن جابر [ ص: 77 ] لحمل التحسين على الصفة والمغالاة على الثمن . وقيل : التحسين حق للميت فإذا أوصى بتركه اتبع كما فعل الصديق . وقول ابن عبد البر : الجديد والخلق سواء تعقب بما مر من احتمال أنه اختاره لمعنى فيه ، وعلى تقدير أن لا يكون كذلك فلا دليل فيه على المساواة . زاد في رواية البخاري : " وقال لها في أي يوم توفي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : يوم الاثنين ، قال : فأي يوم هذا ؟ قالت : يوم الاثنين ، قال : أرجو فيما بيني وبين الليل فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن من ليلته قبل أن يصبح " قال ابن المنير : حكمة تأخر وفاته عن يوم الاثنين مع حبه لذلك لكونه قام في الأمر بعد المصطفى فناسب تأخر موته عن الوقت الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم

التالي السابق


الخدمات العلمية