صفحة جزء
باب زكاة العروض

حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان وكان زريق على جواز مصر في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من كل عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول قال مالك الأمر عندنا فيما يدار من العروض للتجارات أن الرجل إذا صدق ماله ثم اشترى به عرضا بزا أو رقيقا أو ما أشبه ذلك ثم باعه قبل أن يحول عليه الحول فإنه لا يؤدي من ذلك المال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم صدقه وأنه إن لم يبع ذلك العرض سنين لم يجب عليه في شيء من ذلك العرض زكاة وإن طال زمانه فإذا باعه فليس فيه إلا زكاة واحدة قال مالك الأمر عندنا في الرجل يشتري بالذهب أو الورق حنطة أو تمرا أو غيرهما للتجارة ثم يمسكها حتى يحول عليها الحول ثم يبيعها أن عليه فيها الزكاة حين يبيعها إذا بلغ ثمنها ما تجب فيه الزكاة وليس ذلك مثل الحصاد يحصده الرجل من أرضه ولا مثل الجداد قال مالك وما كان من مال عند رجل يديره للتجارة ولا ينض لصاحبه منه شيء تجب عليه فيه الزكاة فإنه يجعل له شهرا من السنة يقوم فيه ما كان عنده من عرض للتجارة ويحصي فيه ما كان عنده من نقد أو عين فإذا بلغ ذلك كله ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكيه وقال مالك ومن تجر من المسلمين ومن لم يتجر سواء ليس عليهم إلا صدقة واحدة في كل عام تجروا فيه أو لم يتجروا
[ ص: 159 ] 9 - باب زكاة العروض

594 595 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن زريق ) قال الباجي : رواه يحيى بتقديم الراء ، والصواب بتقديم الزاي أي المنقوطة ، وعليه جمهور الرواة ، وهو لقب ، واسمه سعيد ( بن حيان ) بفتح الحاء المهملة والتحتية الثقيلة ، وفي التقريب في حرف الراء : رزيق بن حيان الدمشقي أبو المقدام ، ويقال بتقديم الزاي ، قيل اسمه سعيد ، ورزيق لقب ، صدوق ، مات سنة خمس ومائة وله ثمانون سنة ( وكان ) رزيق ( على جواز مصر ) أي موضع يؤخذ منهم فيه الزكاة ، قاله البوني ( في زمان الوليد وسليمان ) ابني عبد الملك بن مروان ( و ) في زمان ابن عمهما ( عمر بن عبد العزيز ) بن مروان الخليفة العادل ، وليها بعد سليمان باستخلافه له ( فذكر ) رزيق ( أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل أربعين دينارا ) تمييز ( دينارا ) مفعول خذ ( فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا ، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا ) فإن نقصت أقل فالزكاة ، قال ابن القاسم : لم يأخذ مالك بهذا وقال : لا زكاة في الناقصة ، ولو قل إلا مثل الحبة والحبتين فالزكاة ، ومعناه لم يأخذ بظاهره ، قاله الباجي ، وقال أبو عمر : اشتراطه نقص ثلث دينار رأي واستحسان ، فهو يضارع قول مالك فيما مضى ناقصة بينة النقصان ، والأولى ظاهر حديث : " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " . فما صح أنه دون ذلك قل أو كثر لا زكاة فيه ( ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من كل عشرين دينارا دينارا ، فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير ، [ ص: 160 ] فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا ، واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول ) قال أبو عمر : سلك عمر بن عبد العزيز طريق عمر بن الخطاب ، فإنه كتب إلى عامل أيلة : خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ، ثم اكتب له براءة إلى السنة ، وخذ من التاجر المعاهد من كل عشرين درهما درهما ، ومن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما ، وليس في كتاب ابن الخطاب أن يكتب للذمي بما يؤخذ منه كتاب إلى الحول ، وهو دليل مالك أنه يؤخذ منه كلما تجر من بلده إلى غير بلده . ( قال مالك : الأمر عندنا فيما يدار من العروض للتجارات أن الرجل إذا صدق ماله ) بالتشديد ، أي دفع صدقته أي زكاه ( ثم اشترى به عرضا بزا ) بفتح الموحدة والزاي ، نوع من الثياب أو الثياب خاصة من أمتعة البيت أو أمتعة التاجر من الثياب ( أو رقيقا أو ما أشبه ذلك ، ثم باعه قبل أن يحول عليه الحول فإنه لا يؤدي من ذلك المال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم صدقه ) أدى زكاته ( وإنه إن لم يبع ذلك العرض سنين لم يجب عليه في شيء من ذلك العرض زكاة ، وإن طال زمانه ، فإذا باعه فليس فيه إلا زكاة واحدة ) وحاصله أن إدارة التجارة ضربان : أحدهما : التقلب فيها ، وارتصاد الأسواق بالعروض فلا زكاة ، وإن أقام أعواما حتى يبيع فيزكي لعام واحد . والثاني : البيع في كل وقت بلا انتظار سوق كفعل أرباب الحوانيت فيزكي كل عام بشروط أشار إليه الباجي ، وذهب الأئمة الثلاثة وغيرهم إلى أن التاجر يقوم كل عام ويزكي مديرا كان أو محتكرا . وقال داود : لا زكاة في العرض بوجه كان لتجارة أو غيرها لخبر : " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " . ولم يقل إلا أن ينوي بهما التجارة ، وتعقب بأن هذا نقض لأصله في الاحتجاج بالظاهر ; لأن الله تعالى قال : ( خذ من أموالهم صدقة ) ( سورة التوبة : الآية 103 ) فعلى أصلهم يؤخذ من كل مال إلا ما خص بسنة أو إجماع ، فيؤخذ من كل مال ما عدا الرقيق والخيل ولأنه لا يقيس عليهما ما في معناهما من العروض ، وقد أجمع الجمهور على زكاة عروض التجارة وإن اختلفوا في الإدارة والاحتكار ، والحجة لهم ما تقدم من عمل [ ص: 161 ] العمرين ، وما نقله مالك من عمل المدينة ، وخبر أبي داود : " كان - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع " . قال الطحاوي : ثبت عن عمر وابنه زكاة عروض التجارة ولا مخالف لهما من الصحابة ، وهذا يشهد أن قول ابن عباس وعائشة : " لا زكاة في العروض " إنما هو في عروض القنية .

( قال مالك : الأمر عندنا في الرجل يشتري بالذهب أو الورق حنطة أو تمرا أو غيرهما للتجارة ثم يمسكها حتى يحول عليها الحول ثم يبيعها أن عليه فيها الزكاة حين يبيعها إذا بلغ ثمنها ما تجب فيه الزكاة ) إذ ليس في أقل من نصاب زكاة ( وليس ذلك مثل الحصاد ) بكسر الحاء وفتحها ( يحصده ) بكسر الصاد وضمها ( الرجل من أرضه ، ولا مثل الجداد ) بجيم ودالين مهملتين ، قطع الثمار من أصولها كالنخل ( وما كان عند رجل يديره للتجارة ولا ينض ) بكسر النون ، يحصل ( لصاحبه منه شيء تجب عليه فيه الزكاة ، فإنه يجعل له شهرا من السنة يقوم فيه ما كان عنده من عرض التجارة ، ويحصي فيه ما كان عنده من نقد أو عين ) ذهب أو فضة ( فإذا بلغ ذلك كله ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكيه ) وهذا في المدير ( ومن تجر من المسلمين ) في مال ( ومن لم يتجر سواء ، ليس عليهم إلا صدقة واحدة في كل عام تجروا فيه ) أي المال ( أو لم يتجروا ) لكن إن تجروا يفرق بين المدير والمحتكر كما مر .

التالي السابق


الخدمات العلمية