صفحة جزء
باب مكيلة زكاة الفطر

حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين
28 - باب مكيلة زكاة الفطر

بفتح الميم وكسر الكاف وإسكان التحتية ما كيل به ، وكذا المكيال والمكيل ، ويقال لها أيضا صدقة الفطر ، وزكاة رمضان ، وزكاة الصوم ، وصدقة الرءوس ، وزكاة الأبدان .

627 625 - ( مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض ) ألزم وأوجب عند الجمهور ( زكاة الفطر ) وما أوجبه فبأمر الله تعالى ، وما ينطق عن الهوى .

قال ابن نافع : قال مالك وهي داخلة في قوله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( سورة البقرة : الآية 43 ) أي : في عمومها ، فبين صلى الله عليه وسلم تفاصيل ذلك ؛ ومن جملتها زكاة الفطر ، وثبت أن قوله تعالى : قد أفلح من تزكى ( سورة الأعلى : الآية 14 ) نزلت في زكاة الفطر ، وثبت في الصحيح إثبات الفلاح لمن اقتصر على الواجبات ، ولا يرد أن في الآية : وذكر اسم ربه فصلى ( سورة الأعلى : الآية 15 ) فيلزم وجوب صلاة العيد لخروجها بدليل عموم قوله تعالى ليلة المعراج : " هن خمس لا يبدل القول لدي " ، وقال أشهب وابن اللبان عن الشافعية وبعض أهل الظاهر أنها سنة مؤكدة ، وأولوا " فرض " بمعنى قدر ، قال ابن دقيق العيد : هو أصله لغة ، لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى ، ا هـ .

ويؤيده تسميتها زكاة ، ولفظة على ، والأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره ، وقال الحنفية : واجب لا فرض على قاعدتهم في الفرق بينهما ( من رمضان ) فتجب بغروب شمس ليلة الفطر ؛ لأنه وقت الفطر منه ، وبه قال مالك في رواية أشهب والثوري وأحمد والشافعي في الجديد ، وقيل : وقت وجوبها طلوع فجر يوم العيد ؛ لأن الليل ليس محلا للصوم ، وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع [ ص: 217 ] الفجر وبه قال أبو حنيفة والليث ومالك في رواية ابن القاسم وابن وهب ومطرف ، والشافعي في القديم ، ويؤيده قوله في بعض طرق حديث ابن عمر عند البخاري : " وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " ، قال المازري : قيل : مبنى الخلاف أن المراد الفطر المعتاد في سائر الشهر فتجب بالغروب ، أو الفطر الطارئ بعده فتجب بطلوع الفجر ، وقال ابن دقيق العيد : الاستدلال لهذا الحكم بالحديث ضعيف ؛ لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر ، ( على الناس صاعا ) نصب تمييزا أو مفعولا ثانيا ( من تمر أو صاعا من شعير ) ولم تختلف الطرق عن ابن عمر في الاقتصار على هذين إلا ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبد العزيز بن داود ، عن نافع فزاد فيه : السلت والزبيب ، وقد حكم مسلم في كتاب التمييز بوهم عبد العزيز فيه ( على كل حر أو عبد ) أخذ بظاهره داود وحده فأوجبها على العبد ، وأنه يجب على السيد أن يمكنه من الاكتساب لهما ، كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة ، وخالفه أصحابه والناس لحديث أبي هريرة : " ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر " ، ومقتضاه أنها على السيد للعبد فلا تجب عليه ؛ لأنه فقير ، إذ ليس لسيده انتزاع ماله ، وقالوا : إن " على " بمعنى " عن " أي : إن السيد يخرجها عن عبده ، قال الباجي : أو على بابها لكن يحملها السيد عنه ، أو معناه أنها تجب على السيد كما تقول : يلزمك على كل دابة من دوابك درهم .

وقال أبو الطيب وغيره : " على " بمعنى " عن " لأن العبد لا يطالب بأدائها ، ورد بأنه لا يلزم من فرض شيء على شخص مطالبته به بدليل الفطرة المتحملة عن غير من لزمته والدية الواجبة بقتل الخطأ .

وقال البيضاوي : العبد ليس أهلا لأن يكلف بالواجبات المالية فجعلها عليه مجاز ، ويؤيد ذلك عطف الصغير عليه يعني في بعض طرق الحديث .

( ذكر أو أنثى ) ظاهره وجوبها عليها ولو كان لها زوج ، وبه قال الثوري وأبو حنيفة .

وقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور : تجب على زوجها إلحاقا بالنفقة ، قال الحافظ : وفيه نظر ؛ لأنهم قالوا : إن أعسر كفرت ، أو كانت أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا ، واتفقوا أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه ، قال : وإنما احتج الشافعي بما رواه عن محمد بن علي الباقر مرسلا نحو حديث ابن عمر وزاد فيه : ممن تمونون ، وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر على ؛ وهو منقطع ، وأخرجه من حديث ابن عمر ؛ وإسناده ضعيف أيضا ، وفي رواية عمر بن نافع عند البخاري : " على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير " ( من المسلمين ) دون الكفار ؛ لأنها طهارة ليسوا من أهلها ، فلا تجب على الكافر عن نفسه اتفاقا ، ولا عن مستولدته المسلمة بإجماع ، حكاه ابن المنذر لكن فيه وجه للشافعية ورواية عن [ ص: 218 ] أحمد بالوجوب ، ولا يجب على المسلم إخراجها عن عبده الكافر عند الجمهور ، خلافا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق لعموم حديث : " ليس على المسلم في عبده صدقة الفطر " ، وأجاب الجمهور بأن الخاص يقضي على العام ، فعموم قوله " في عبده " مخصوص بقوله : " من المسلمين " .

وقال الطحاوي : " من المسلمين " صفة للمخرجين لا المخرج عنهم ، وتعقب بأن ظاهر الحديث يأباه ؛ لأن فيه العبد والصغير وهما ممن يخرج عنهم ، فدل على أن الصفة الإسلام لا تختص بالمخرجين ، ويؤيده رواية الضحاك عند مسلم بلفظ : " على كل نفس من المسلمين حرا أو عبدا " الحديث .

وقال القرطبي : ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه ، ولم يقصد بيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره بل يشمل الجميع .

ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي فإنه دال على أنهم كانوا يخرجون عن أنفسهم وعن غيرهم لقولهم فيه : على كل صغير وكبير ، لكن لا بد أن يكون بين المخرج وبين الغير ملابسة ، كالصغير ووليه والعبد وسيده والمرأة وزوجها .

وقال الطيبي : قوله " من المسلمين " حال من العبد وما عطف عليه ، وتنزيلها على المعاني المذكورة على ما يقتضيه علم البيان أنها جاءت مزدوجة عن التضاد للاستيعاب لا للتخصيص لئلا يلزم التداخل ، فيكون المعنى فرض على جميع الناس من المسلمين ، وأما كونها في من وجبت فيعلم من نصوص أخر .

وقال في المصابيح : هو نص ظاهر في أن قوله من المسلمين صفة لما قبله من النكرات المتعاطفات بـ " أو " ، فيندفع قول الطحاوي إنه خطاب يتوجه معناه إلى السادة قاصدا بذلك الاحتجاج لمن ذهب إلى إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر ، ا هـ .

ونقل ابن المنذر أن بعضهم احتج بما أخرجه من طريق ابن إسحاق : حدثني نافع : " أن ابن عمر كان يخرج عن أهل بيته حرهم وعبدهم ، صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق " ، قال : وابن عمر راوي الحديث أعرف بمراده ، وتعقب بأنه لو صح لحمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعا ولا مانع منه ، هذا وقد زعم الترمذي وأبو قلابة الرقاشي ومحمد بن وضاح ، وتبعهم ابن الصلاح ومن تبعه أن مالكا تفرد بقوله : " من المسلمين " دون أصحاب نافع ، وتعقب ذلك ابن عبد البر فقال : كل الرواة عن مالك قالوا فيه " من المسلمين " إلا قتيبة بن سعيد وحده فلم يقلها ، قال : وأخطأ من ظن أن مالكا تفرد بها ، فقد تابعه عليها جماعة عن نافع منهم : عمر بن نافع ؛ أي : عند البخاري ، وكثير بن فرقد ؛ أي : عند الطحاوي ، والدارقطني والحاكم ، وعبيد الله بن عمر ؛ أي : عند الدارقطني ، ويونس بن يزيد ؛ أي : عند الطحاوي ، وأيوب السختياني ؛ أي : عند الدارقطني ، وابن خزيمة زاد الحافظ على اختلاف عنه وعلى عبيد الله في زيادتها والضحاك بن عثمان عند مسلم ، والمعلى بن إسماعيل عند ابن حبان ، وابن أبي ليلى عند الدارقطني ، وعبد الله العمري عند الدارقطني وابن الجارود ، قال : وذكر شيخنا ابن [ ص: 219 ] الملقن أن البيهقي أخرجه من طريق أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن نافع بالزيادة ، وقد تتبعت تصانيف البيهقي فلم أجد فيها هذه الزيادة من رواية أحد من هؤلاء الثلاثة ، قال : وفي الجملة ليس فيما روى هذه الزيادة أحد مثل مالك ؛ لأنه لم يتفق على أيوب وعبيد الله في زيادتها ، وليس في الباقين مثل يونس ، لكن في الراوي عنه وهو يحيى بن أيوب مقال ، ثم ظاهر قوله : " والصغير " وجوبها عليه لكن يخرج عنه وليه فتجب في ماله إن كان وإلا فعلى من تلزمه نفقته عند الجمهور .

وقال محمد بن الحسن : هي على الأب مطلقا فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه .

وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري إنما تجب على من صام لحديث أبي داود عن ابن عباس مرفوعا : " صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث " ، وأجيب بأن التطهير خرج مخرج الغالب ، كما أنها تجب على من لم يذنب كمتحقق الصلاح ، وعلى من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة .

وفي قوله : " طهرة " دليل على وجوبها على الفقير كالغني ، وقد ورد ذلك صريحا في حديث أبي هريرة عند أحمد وثعلبة بن صعير عند الدارقطني ، خلافا للحنفية في أنها لا تجب إلا على من ملك نصابا لحديث : " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " .

قال ابن بزيزة : لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها ؛ لأنها زكاة بدنية لا مالية ، نعم ؛ الشرط أن يفضل عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته لحديث الصحيح : " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن القعنبي ، وقتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى أربعتهم عن مالك به ، وله طرق في الصحيحين وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية