صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب
63 61 - ( مالك عن سهيل ) بضم السين وفتح الهاء ( ابن أبي صالح ) ذكوان المدني يكنى أبا يزيد ، صدوق تغير بآخرة ، وهو أحد الأئمة المشهورين المكثرين ، وثقه النسائي والدارقطني وغيرهما .

وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال ابن معين : صويلح ، وقال البخاري كان له أخ فمات فوجد عليه فساء حفظه .

وله في البخاري حديث واحد في الجهاد مقرون بيحيى بن سعيد الأنصاري ، وذكر له حديثين آخرين متابعة في الدعوات واحتج به الباقون ، ومعلوم أن رواية مالك ونحوه عنه كانت قبل التغير ، وله في الموطأ عشرة أحاديث مرفوعة مات في خلافة المنصور .

( عن أبيه ) أبي صالح ذكوان السمان الزيات لأنه كان يبيع السمن والزيت ويختلف بهما من العراق إلى الحجاز المدني ، ثقة ثبت كثير الحديث ، روى عن سعيد وأبي الدرداء وأبي هريرة وعائشة وخلق ، وعنه بنوه سهيل وصالح وعبد الله وعطاء بن أبي رباح والأعمش وغيرهم ، مات سنة إحدى ومائة من الهجرة .

( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن ) قال الباجي : شك من الراوي على الظاهر قال غيره : وفيه تحري المسموع وإلا فهما متقاربان ، ويحتمل أن يكون تنبيها من النبي صلى الله عليه وسلم على الترادف فإنهما يستعملان مترادفين ، وعبر بالعبد إشارة إلى كونه عبادة وجواب الشرط قوله : ( فغسل وجهه ) والفاء مرتبة له على الشرط أي إذا أراد الوضوء فغسل وجهه كذا قال بعض شراح مسلم وفيه تعسف ، والمتبادر أن الجواب قوله : ( خرجت من وجهه كل خطيئة ) إثم ( نظر إليها بعينه ) بالإفراد ويروى بالتثنية [ ص: 158 ] أي نظر إلى سببها إطلاقا لاسم المسبب على السبب مبالغة ، وفيه دلالة على أن الوضوء يكفر عن كل عضو ما اختص به من الخطايا .

( مع الماء أو مع آخر قطر الماء ) شك من الراوي وقيل ليس بشك بل لأحد الأمرين نظرا إلى البداية والنهاية ، فإن الابتداء بالماء والنهاية بآخر قطر الماء ، وتخصيص العين في هذا الحديث والوجه مشتمل على العين والفم والأنف والأذن لأن جناية العين أكثر ، فإذا خرج الأكثر خرج الأقل فالعين كالغاية لما يغفر ، وقال الطيبي : لأن العين طليعة القلب ورائده فإذا ذكرت أغنت عن سواها .

( فإذا غسل يديه ) بالتثنية ( خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها ) أي عملتها ( يداه ) والبطش الأخذ بعنف ، وبطشت اليد إذا عملت فهي باطشة وبابه ضرب وبه قرأ السبعة وفي لغة من باب قتل ، وبها قرأ الحسن البصري وأبو جعفر المدني ( مع الماء أو مع آخر قطر الماء ) مصدر قطر من باب نصر أي سيلانه كذا لأكثر رواة الموطأ ، وزاد ابن وهب : ( فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه ) أي مشى لها بهما أو مشت فيها قال تعالى : ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) ( سورة البقرة : الآية 20 ) فالضمير يرجع إلى خطيئة ونصب بنزع الخافض أو هو مصدر أي مشت المشية رجلاه .

( مع الماء أو مع آخر قطر الماء ) وقوله : بعينه ويداه ورجلاه تأكيدات تفيد المبالغة في الإزالة ( حتى يخرج نقيا ) بالنون والقاف نظيفا ( من الذنوب ) بخروجها عنه ، وخص العلماء هذا ونحوه من الأحاديث التي فيها غفران الذنوب بالصغائر ، أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة لحديث الصحيحين : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينها ما اجتنبت الكبائر " فجعلوا التقييد في هذا الحديث مقيدا للإطلاق في غيره ، لكن قال ابن دقيق العيد : فيه نظر .

وقال ابن التين : اختلف هل يغفر له بهذا الكبائر إذا لم يصر عليها أم لا يغفر سوى الصغائر ؟ قال : وهذا كله لا يدخل فيه مظالم العباد ، وقال في المفهم : لا يبعد أن بعض الأشخاص تغفر له الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص ويراعيه من الإحسان والآداب ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

وقال النووي : ما وردت به الأحاديث أنه يكفر إن وجد ما يكفره من الصغائر كفره ، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتب له به حسنات ورفع به درجات ، وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر اهـ .

وهذا الحديث أخرجه مسلم حدثنا سويد بن سعيد عن مالك عن أنس وحدثني أبو طاهر واللفظ له قال : أخبرنا عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس فذكره .

ورواه الترمذي عن قتيبة ومن [ ص: 159 ] طريق معن بن عيسى كليهما عن مالك به كرواية الأكثر دون زيادة ابن وهب لكنها زيادة ثقة حافظ غير منافية فيجب قبولها لأنه حفظ ما لم يحفظ غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية