صفحة جزء
وحدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الصبح قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة قال هأنذا يا رسول الله فقال ما بين هذين وقت
3 3 - ( مالك ، عن زيد بن أسلم ) العدوي مولى عمر أبي عبد الله وأبي أسامة المدني ، فقيه ثقة عالم وكان يرسل ، وهو من الطبقة الوسطى من التابعين ، وكانت له حلقة في المسجد النبوي .

قال أبو حازم : لقد رأينا في مجلس زيد بن أسلم أربعين حبرا فقيها أدنى خصلة من خصالهم التواسي بما في أيديهم ، فما يرى متماريان ولا متنازعان في حديث لا ينفعهما قط ، وكان عالما بتفسير القرآن له كتاب فيه ، وكان يقول : ابن آدم اتق الله يحبك الناس وإن كرهوا ، مات في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة ، له في الموطأ أحد وخمسون حديثا مرفوعة ( عن عطاء بن يسار ) الهلالي أبي محمد المدني مولى ميمونة ، ثقة فاضل كثير الحديث صاحب مواعظ وعبادة ، مات سنة أربع وتسعين ، أو تسع وتسعين ، أو ثلاث أو أربع ومائة بالإسكندرية فيما قيل .

( أنه قال ) : اتفقت رواة الموطأ على إرساله ، قال ابن عبد البر : وبلغني أن ابن عيينة حدث به ، عن زيد ، عن عطاء ، عن أنس مرفوعا ولا أدري كيف صحة هذا عن سفيان ؟ والصحيح عن زيد بن أسلم أنه من مرسلات عطاء وقد ورد موصولا من حديث أنس أخرجه البزار وابن عبد البر في التمهيد بسند صحيح .

ومن حديث عبد الرحمن بن يزيد بن حارث أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط ، وعبد الله بن عمرو بن العاصي عند الطبراني الكبير بسند حسن ، وزيد بن حارثة عند أبي يعلى والطبراني : ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الصبح ) وكان ذلك في [ ص: 79 ] سفر كما في حديث زيد بن حارثة ولم أقف على اسم الرجل ، قيل : إنما سأله عن آخر وقتها وكان عالما بأوله إذ لا بد أنه صلاها معه صلى الله عليه وسلم أو مع غيره أو وحده أو يكون ذلك حين دخوله في الإسلام ، والأولى أنه إنما سأله إلى أي وقت يجوز التأخير ؟ ( قال : فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) حتى أراد ذلك بالفعل لأنه أقوى من الخبر ، ولم يخف اخترام المنية ؛ لأن الله نبأه أنه لا يقبضه حتى يكمل الدين قاله أبو عمر ، والمراد : سكت عن جوابه فلا ينافي أن في حديث زيد بن حارثة فقال : صلها معي اليوم وغدا .

( حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر ) وكان ذلك بقاع نمرة بالجحفة كما في حديث زيد .

( ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر ) أي : انكشف وأضاء ، وفي حديث ابن عمرو : ثم صلاها من الغد فأسفر ، وفي حديث زيد : فصلاها أمام الشمس ؛ أي : قدامها ، بحيث طلعت بعد سلامه منها ، وفي حديث عبد الرحمن : ثم صلاها يوما ، وفي رواية زيد : حتى إذا كان بذي طوى أخرها ، قال السيوطي : فيحتمل أن تكون قصة واحدة ويحتمل تعدد القصة ، انتهى .

( ثم قال ) صلى الله عليه وسلم ( أين السائل عن وقت الصلاة ؟ ) في حديث أنس عن وقت صلاة الغداة .

( قال : ها أنذا ) قال ابن مالك في شرح التسهيل : تفصل " ها " التنبيه من اسم الإشارة المجرد بأنا وأخواتها كثيرا كقولك : ها نحن ، وقوله تعالى : ها أنتم أولاء تحبونهم ( سورة آل عمران : الآية 119 ) وقول السائل عن وقت الصلاة ها أنذا ( يا رسول الله فقال : ما بين هذين وقت ) يعني هذين وما بينهما وقت ، وهذا من مفهوم الخطاب كقوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( سورة الزلزلة : الآية 7 ) فمن مفهومه : من يعمل مثقال قنطار خيرا يره ، ومثله في القرآن كثير .

وفي رواية زيد : " الصلاة ما بين هاتين الصلاتين " وفي حديث ابن عمرو : " الوقت فيما بين أمس واليوم " وإنما أخرجوا به حتى صلى معه في اليومين لأن البيان بالفعل أبلغ ، وفيه جواز تأخير البيان عن وقت السؤال إلى آخر وقت يجب فيه فعل ذلك ، أما تأخيره عن تكليف الفعل والعمل حتى ينقضي فلا يجوز اتفاقا قاله أبو عمر .

وفي ذا الحديث أن السؤال عن وقت الصبح خاصة ، وورد السؤال عن كل أوقات الصلوات ، فروى مسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني ، عن أبي موسى الأشعري : " أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا حتى أمر بلالا فأقام الفجر حين انشق الفجر ، ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس ، ثم أمره فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة ، وأمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، وأمره فأقام العشاء حين غاب [ ص: 80 ] الشفق ، فلما كان الغد صلى الفجر فانصرف ، فقلت : أطلعت الشمس وأقام الظهر في وقت صلاة العصر الذي كان قبله وصلى العصر وقد اصفرت الشمس ؟ أو قال : أمسى وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء إلى ثلث الليل ، ثم قال : أين السائل عن وقت الصلاة ؟ الوقت فيما بين هذين " وأخرجه مسلم والنسائي أيضا والترمذي وابن ماجه من حديث بريدة ، والدارقطني والطبراني في الأوسط عن جابر ، والدارقطني عن محمد بن جارية ، وأبو يعلى عن البراء بن عازب .

قال السيوطي : وحينئذ فحديث الموطأ إما مختصر من هذه الواقعة أو هو قضية أخرى وقع السؤال فيها عن صلاة الصبح خاصة .

التالي السابق


الخدمات العلمية