صفحة جزء
باب القران في الحج

حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا فقال هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه حتى دخل على عثمان بن عفان فقال أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة فقال عثمان ذلك رأيي فخرج علي مغضبا وهو يقول لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا

قال مالك الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة لم يأخذ من شعره شيئا ولم يحلل من شيء حتى ينحر هديا إن كان معه ويحل بمنى يوم النحر


12 - باب القران في الحج

مصدر قرن ، وهو الإهلال بالحج والعمرة معا ، وهذا لا خلاف في جوازه ، أو الإهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه .

750 741 - ( مالك عن جعفر ) الصادق ( ابن محمد ) الباقر ( عن أبيه ) محمد بن علي بن الحسين ، وفيه انقطاع لأن محمدا لم يدرك المقداد ولا عليا لكنه في الصحيحين وغيرهما من طرق بنحوه ، ( أن المقداد بن الأسود ) الصحابي الشهير البدري ( دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا ) بضم السين وإسكان القاف مقصور ، قرية جامعة بطريق مكة ، وفي البخاري عن سعيد بن المسيب أن ذلك كان بعسفان ، ( وهو ينجع ) بفتح التحتية وسكون النون وفتح الجيم وعين مهملة من نجع كمنع ، وبضم أوله وكسر الجيم من أنجع أي يسقي ، ( بكرات له ) جمع بكرة بالفتح والضم ، ولد الناقة أو الفتي منها أو الثني إلى أن يجذع ، أو ابن المخاض إلى أن يثني ، أو ابن اللبون أو الذي لم يبزل ( دقيقا وخبطا ) بفتح المعجمة والموحدة ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق أو غيره ويوخف بالماء ويسقى للإبل ، ويقال : نجعت البعير إذا سقيته المديد وهو أن يسقيه الماء بالبزر أو السمسم أو الدقيق ، واسم المديد النجوع .

( فقال ) المقداد لعلي : ( هذا عثمان بن عفان ) أمير المؤمنين ( ينهى عن أن يقرن ) بفتح أوله وكسر ثالثه أي الإنسان مبني للفاعل ، أو بضم أوله وفتح الراء مبني للمفعول والنائب قوله ( بين الحج والعمرة فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط ) لاستعجاله لأنه كبر عليه نهيه عن أمر أباحه المصطفى ، ( فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه ) فأطلق اليدين أولا على ما يشمل الذراعين ( حتى دخل على عثمان بن عفان فقال : أنت تنهى عن أن يقرن ) بالبناء للمفعول أو الفاعل أي الإنسان ( بين الحج والعمرة ؟ ) ، ولمسلم عن [ ص: 379 ] سعيد بن المسيب فقال علي : " ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عثمان : دعنا عنك ، فقال : إني لا أستطيع أن أدعك " ، ( فقال عثمان : ذلك رأيي فخرج علي مغضبا ) لأن معارضة النص بالرأي شديدة عندهم ، ( وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا ) ، وللنسائي والإسماعيلي فقال عثمان : " تراني أنهى الناس وأنت تفعله ؟ قال : ما كنت أدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد " ، وللنسائي أيضا : ما يشعر بأن عثمان رجع عن النهي ولفظه ، فلبى علي فلم ينههم عثمان ، فقال علي : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع ؟ قال : بلى .

وله من وجه آخر عن علي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا .

ولمسلم عن عبد الله بن شقيق قال أي عثمان : بلى ولكن كنا خائفين .

قال الحافظ : هي رواية شاذة ، فقد روى الحديث مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وهما أعلم من ابن شقيق فلم يقولا ذلك ، والتمتع والقران إنما كانا في حجة الوداع ولا خوف فيها .

وفي الصحيحين عن ابن مسعود : كنا آمن ما يكون .

وقال القرطبي : قوله " خائفين " أي : من أن يكون من أفرد أكثر أجرا ممن تمتع ، وهو جمع حسن على بعده انتهى .

وفي البخاري عن مروان بن الحكم : شهدت عثمان وعليا ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى ذلك علي أهل بهما لبيك بحجة وعمرة قال : ما كنت أدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد ، ففيه أنه نهي عن القران والتمتع معا ، أو عطف مساو على ما مر أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا لأن القارن يتمتع بترك السفر مرتين ، وفي قصة عثمان وعلي من الفوائد إشاعة العالم ما عنده من العلم وإظهاره ، ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على ذلك لقصد مناصحة المسلمين ، والبيان بالفعل مع القول ، وجواز الاستنباط من النص ، لأن عثمان لم يخف عليه جواز القران والتمتع وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل كما وقع لعمر ، لكن خشي علي أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع جواز ذلك ، فكل منهما مجتهد مأجور ، وفيه أن المجتهد لا يلزم مجتهدا آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان مع أنه الإمام حينئذ على علي رضي الله عنهما .

( قال مالك : الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة ) أحرم بهما معا أو أردفه بطوافها ( لم يأخذ من شعره شيئا ولم يحلل ) بكسر اللام ( من شيء ) لأنه محرم ( حتى ينحر هديا إن كان معه ويحل بمنى يوم النحر ) برمي جمرة العقبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية