صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني قد كنت تجهزت للحج فاعترض لي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه كحجة
777 766 - ( مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن ) ، مولاه ( يقول : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) قال ابن عبد البر : هكذا لجميع رواة الموطأ ، وهو مرسل ظاهرا ، لكن صح أن أبا بكر سمعه من تلك المرأة ، فصار بذلك مسندا ، فقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد بن خزيمة ، يقال لها : أم معقل ، هكذا سماها الزهري ، وهو المشهور المعروف ، وتابعه على ذلك جماعة ، وفي بعض طرقه تسميتها أم سنان الأنصارية ، ورجح الحافظ أنهما قصتان وقعتا للمرأتين ، لتغاير قصتيهما ، ولأن أم معقل أسدية ، وأم سنان أنصارية ، وفي أبي داود ، عن أم معقل : أن مجيئها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بعد رجوعه من حجة الوداع ، وأنه قال لها : ما منعك أن تخرجي معنا في وجهنا هذا ؟ ( فقالت : إني قد كنت تجهزت للحج ، فاعترض لي ) ، أي عاقني عائق منعني ، وعند أبي داود : فأصابتنا هذه القرحة - الحصبة ، أو الجدري - فهلك فيها أبو معقل [ ص: 403 ] وأصابني فيها مرضي هذا حتى صححت منها ، وكان لنا جمل هو الذي نريد أن نخرج عليه ، فأوصى به أبو معقل في سبيل الله ، قال : فهلا خرجت عليه ، فإن الحج في سبيل الله ؟ وفي رواية عبد الرزاق : " قلت : يا رسول الله إني أردت الحج ، فضل جملي ، أو قالت بعيري " ، ويجمع بأنه ضل ، ثم وجد ، فحصلت لهم القرحة ، أو ضل بعد حصولها ، ثم وجد ، فذكرت له الوجهين ، واقتصر بعض الرواة على أحدهما .

( فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه ، كحجة ) ، وفي لفظ : تعدل حجة .

واعتمر هو في شوال ، لأنه لم يتيسر له الاعتمار في رمضان - صلى الله عليه وسلم - وفيه أن أعمال البر قد تفضل بعضها بعضا في أوقات ، وأن الشهور بعضها أفضل من بعض ، والعمل في بعضها أفضل من بعض ، وأن شهر رمضان مما يتضاعف فيه عمل البر ، وذلك دليل على عظيم فضله ، وأن الحج أفضل من العمرة ، لما فيه من زيادة المشقة والعمل ، ووقعت لأم طليق قصة مثل هذه ، أخرجها ابن السكن ، وابن منده في الصحابة ، والدولابي في الكنى من طريق طلق بن حبيب : أن أبا طليق حدثه أن امرأته أم طليق قالت له - وكان له جمل يغزو عليه ، وناقة يحج عليها - : أعطني جملك أحج عليه ، قال : إن جملي حبس في سبيل الله ، فقالت : إن الحج من سبيل الله ، فأعطني الناقة ، وحج أنت على الجمل ، قال : لا أوثرك على نفسي ، قالت : فأعطني من نفقتك ، قال : ما عندي فضل عني ، وعن عيالي ما أخرج به ، وما أتركه لكم ، قالت : إنك لو أعطيتني أخلفها الله ، فلما أبيت عليها ، قالت : إذا لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقرئه مني السلام ، وأخبره بالذي قلت لك ، فأتيته ، وأقريته منها السلام ، وأخبرته بما قالت ، فقال : صدقت أم طليق ، لو أعطيتها الجمل ، لكان في سبيل الله ، ولو أعطيتها الناقة ، لكانت ، وكنت في سبيل الله ، ولو أعطيتها من نفقتك ، لأخلفها الله ، قال : فإنها تسألك ما يعدل الحج ، قال : عمرة في رمضان ، وسنده جيد .

قال الحافظ : وزعم ابن عبد البر أن أم معقل هي أم طليق ، لها كنيتان ، وفيه نظر ، لأن أبا معقل مات في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق بن حبيب ، وهو من صغار التابعين ، فدل على تغاير المرأتين ، ويدل عليه تغاير السياقين أيضا .

وفي البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن ابن عباس : " لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حجته ، قال لأم سنان الأنصارية : ما منعك من الحج ؟ قالت : كان لنا ناضحان ، فركب أبو فلان - تعني : زوجها - وابنه على أحدهما ، والآخر يسقي أرضا لنا ، قال : فإذا كان رمضان اعتمري فيه ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معي " وعند ابن حبان قالت أم سليم : خرج أبو طلحة ، وابنه ، وتركاني ، والظاهر أن الابن أنس مجازا ، لأنه ربيبه لأن أبا طلحة لم يكن له ابن كبير ، وبالجملة فهي وقائع متعددة .

التالي السابق


الخدمات العلمية