صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت أن تحضر فأنكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان بن عفان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب
780 770 [ ص: 408 ] - ( مالك عن نافع ) ، مولى ابن عمر ، ( عن نبيه ) - بضم النون - مصغر ( ابن وهب ) بن عثمان العبدري ، ( أخي بني عبد الدار ) بن قصي ، أي واحد منهم المدني من صغار التابعين ، ومات قبل نافع الراوي عنه سنة ست وعشرين ومائة ، ( أن عمر بن عبيد الله ) - بضم العينين - ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي ، وجده : معمر صحابي ، وهو ابن عم أبي قحافة والد الصديق ، روى عمر ، عن أبان ، وابن عمر ، وجابر ، وعنه عطاء بن أبي رباح ، وعبد الله بن عون ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وكان أحد وجوه قريش ، وأشرافها ، جوادا ، ممدحا ، شجاعا ، مات بدمشق سنة اثنين وثمانين ، ( أرسل ) نبيها الراوي المذكور - كما في رواية لمسلم - ( إلى أبان ) - بفتح الهمزة والموحدة - ( ابن عثمان ) بن عفان الأموي المدني الثقة ، مات سنة خمس ومائة ، ( وأبان يومئذ أمير الحاج ) من جهة عبد الملك ، ( وهما محرمان : إني قد أردت أن أنكح ) - بضم فسكون - أزوج ابني ( طلحة بن عمر ) القرشي التيمي ، وقال بعضهم : الأنصاري ، والأول الصحيح ، ففي مسلم من رواية أيوب ، عن نافع عن نبيه : بعثني عمر بن عبيد الله ، وكان يخطب بنت شيبة على ابنه ( بنت شيبة ) اسمها : أمة الحميد كما ذكره الزبير بن بكار ، وغيره ( ابن جبير ) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري ، وفي رواية أيوب عند مسلم : بنت شيبة بن عثمان ، قال النووي : وزعم أبو داود أنه الصواب ، وإن مالكا ، وهم فيه ، وقال الجمهور : بل قول مالك هو الصواب ، فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي كما حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين ، قال القاضي عياض : ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ ، بل الروايتان صحيحتان إحداهما : حقيقة ، والأخرى مجاز .

( وأردت أن تحضر ) فيه ندب الاستئذان ، لحضور العقد ، ( فأنكر ذلك عليه أبان ) ، فقال : ألا أراه عراقيا جافيا ، كما في رواية لمسلم ، وله في أخرى : أعرابيا ، أي جاهلا بالسنة كالأعراب ، ومعنى رواية القاف : آخذا بمذهب أهل العراق تاركا للسنة .

( وقال : سمعت عثمان بن عفان ) ، يعني : أباه ، وفي تصريحه بسمعت رد على من قال أنه لم يسمع أباه ، فالمثبت مقدم ، ( يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينكح ) - بفتح أوله - أي لا يعقد لنفسه ( المحرم ) بحج أو [ ص: 409 ] عمرة أو بهما ، ( ولا ينكح ) - بضم أوله - أي لا يعقد لغيره بولاية ، ولا وكالة ، وهو بالجزم فيهما على النهي ، كما ذكر الخطابي أنه الرواية الصحيحة .

( ولا يخطب ) ، فيمنع من الخطبة أيضا ، كما هو ظاهر الحديث ، وبه قال الجمهور ، كما في المفهم ، وحمل الشافعية النهي في الخطبة على التنزيه ، وقال الباجي : يحتمل أن يريد به السفارة في النكاح ، ويحتمل أن يريد الخطبة حالة النكاح ، فأما السفارة فيه فممنوعة ، فإن سفر ، وعقد سواه ، أو سفر لنفسه ، وعقد بعد التحلل ، أساء ولم يفسخ ، ولم أر فيه نصا ، انتهى .

وفيه حرمة العقد ، وبه قال الجمهور من الصحابة ، فمن بعدهم ، فلو عقد لم يصح ، ويفسخ أيضا بطلقة عندمالك للاختلاف فيه ، فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطا للفرج ، وقال الشافعي : بلا طلاق ، وقال أبو حنيفة ، والكوفيون : يصح نكاحه ، وإنكاحه ، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ليس نهيا عن نكاح المحرم ، بل هو إخبار عن حاله ، وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع زمانه لعقد النكاح ، ولا يتفرغ له ، وبأن المراد بالنكاح هنا : الوطء ، لا العقد ، فقوله : لا ينكح ، أي لا يطأ ، وتعقب بأن الرواية الصحيحة بالجزم على النهي ، لا على حكاية الحال ، وحمله عليها لا يكون إخبارا عن أمر شرعي ، بل عن قضية يشترك في معرفتها الخاص ، والعام ، وحمل كلام الشارع على الشرعيات التي لا تعلم إلا من جهته أولى .

وأيضا فإن أبان راوي الحديث فهم أن المراد : النهي ، وأنكر على عمر بن عبيد الله ، وأقام عليه الحجة بالحديث ، وحمل النكاح على الوطء ، لا فائدة فيه ، إذ هو أمر مقرر يعلمه كل أحد ، وأيضا ، فهو خلاف فهم راويه ، ولو صح في الجملة الأولى لم يصح في الثانية ، فإن قوله : ولا ينكح ، نهي عن التزويج بلا شك ، وإذا منع من العقد لغيره ، فأولى لنفسه ، ولا حجة لهم في قول ابن عباس : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم " ، رواه البخاري ، ومسلم ، وأصحاب السنن ، لأن ابن المسيب ، وغيره وهموه في ذلك ، فإنه انفرد به ، وخالفته ميمونة ، وأبو رافع ، فرويا أنه نكحها ، وهو حلال ، وهو أولى بالقبول ، لأن ميمونة هي الزوجة ، وأبو رافع هو السفير بينهما ، فهما أعرف بالواقعة من ابن عباس ، لأنه ليس له من التعلق بالقصة ما لهما ، ولصغره حينئذ عنهما ، إذ لم يكن في سنهما ، ولا يقرب منه ، فإن لم يكن وهما ، فهو قابل للتأويل بأن معنى وهو محرم : في الحرم ؛ لأن ابن عباس عربي فصيح يتكلم بكلام العرب ، وهم يقولون : أحرم ، وأنجد ، وأتهم إذا دخل الحرم ، ونجدا ، وتهامة ، أو في الشهر الحرام ، كقوله : قتلوا ابن عفان الخليفة محرما .

أي في الشهر الحرام ، فإنه لم يكن محرما بحج ، ولا بعمرة ، أو على مذهبه أن من قلد هديه صار محرما بالتقليد ، فلعل ابن عباس علم بنكاحه بعد أن قلد هديه - صلى الله عليه وسلم - أو أن عقد الإحرام من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - كما هو المعتمد عند المالكية ، والشافعية ، وعلى تقدير الإغضاء عن هذا كله ، فقد تعارض هو وحديث ميمونة ، وأبي رافع ، فسقط الاحتجاج بالخبرين ووجب الرجوع [ ص: 410 ] إلى حديث عثمان ، لأن لا معارض له ، ذكره ابن عبد البر ، وغيره ، ويرجحه أن الصحيح عند أهل الأصول ترجيح القول إذا تعارض هو والفعل ، لقوة القول ، لدلالته بنفسه على الفعل ، فإنما يدل بواسطة القول ، ولتعدي القول إلى الغير ، والفعل يحتمل قصره عليه .

وقد أخرج حديث عثمان هذا مسلم في النكاح ، عن يحيى ، وأبو داود في الحج عن القعنبي كلاهما ، عن مالك به ، ورواه أيضا ، عن النسائي ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان كلهم من طريق مالك به ، وتابعه مطر الوراق ، ويعلى بن حكيم ، وأيوب السختياني كلهم عن نافع عند مسلم وغيره ، وتابع نافعا عليه أيوب بن موسى ، وسعيد بن أبي هلال عن نبيه في مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية