صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة
856 846 [ ص: 489 ] - ( مالك عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان يقول : الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة ) ، فغيره ليس بهدي إن اشتراه بمكة أو منى ، ولم يخرج به إلى الحل وعليه بدله ، فإن ساقه من الحل استحب وقوفه بعرفة به ، هذا قول مالك وأصحابه كما في الاستذكار ، وفي هذا كله أن الإشعار سنة ، وفائدته الإعلام بأنها صارت هديا ليتبعها من يحتاج إلى ذلك ، وحتى لو اختلطت بغيرها تميزت ، أو ضلت عرفت ، أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة ، فأكلوها مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع ، وحث الغير عليه ، وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف ، وكرهه أبو حنيفة لأنه مثلة ، وقد نهي عنها وعن تعذيب الحيوان ، وكان مشروعا قبل النهي عن ذلك ، وتعقب بأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال ، بل وقع الإشعار في حجة الوداع ، وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان ، قال الخطابي ، وغيره : الاعتلال بأنه من المثلة مردود ، بل هو من باب آخر كالكي ، وشق أذن الحيوان ليصير علامة ، وغير ذلك من الوسم ، وكالختان والحجامة ، وشفقة الإنسان على ماله عادة ، فلا يتوهم سريان الجرح حتى يفضي إلى الهلاك ، وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة في إطلاق كراهة الإشعار حتى قال ابن حزم : هذه طامة من طوام العالم أن تكون مثلة شيء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أف لكل عاقل يتعقب حكمه ، قال : وهذه قولة لأبي حنيفة لا يعلم له فيها متقدم من السلف ، ولا موافق من فقهاء عصره إلا من قلده ، ولذا قال الخطابي : لا أعلم أحدا كرهه إلا أبا حنيفة ، وخالفه صاحباه وقالا بقول الجماعة ، وتعقب بأن النخعي وافقه .

قال الترمذي : سمعت أبا السائب يقول : كنا عند وكيع ، فقال له رجل : روي عن إبراهيم النخعي أن الإشعار مثلة ، فقال وكيع : أقول لك أشعر رسول الله ، وتقول : قال إبراهيم ! ما أحقك بأن تحبس ، وقد انتصر الطحاوي ، فقال : لم يكره أبو حنيفة أصل الإشعار ، وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاك البدن لسراية الجرح لا سيما مع الطعن بالشفرة ، فأراد سد الباب عن العامة ، لأنهم لا يراعون الحد في ذلك ، وأما من كان عارفا بالسنة في ذلك فلا ، وقد ثبت عن عائشة ، وابن عباس التخيير في الإشعار ، وتركه ، فدل على أنه ليس بنسك مكروه لكنه غير مكروه لثبوت فعله عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية