صفحة جزء
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما استيسر من الهدي شاة قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما فمما يحكم به في الهدي شاة وقد سماها الله هديا وذلك الذي لا اختلاف فيه عندنا وكيف يشك أحد في ذلك وكل شيء لا يبلغ أن يحكم فيه ببعير أو بقرة فالحكم فيه شاة وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة فهو كفارة من صيام أو إطعام مساكين
875 865 - ( مالك : أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ) في تفسير ( فما استيسر من الهدي : شاة ) ، فوافق عليا على تفسيره .

( قال مالك : وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك ؛ لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) ( سورة المائدة : الآية 95 ) أي محرمون ، وداخل الحرم ، ولعله ذكر القتل دون الذبح للتعميم ، فشمل ما يؤكل لحمه ، وما لا ، إلا الفواسق ، وما ألحق بها ، ( ومن قتله منكم متعمدا ، فجزاء مثل ما قتل من النعم ) ، ولفظه يشمل الشاة ، وجاءت السنة من أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ كما دل عليه الكتاب في العمد ؛ لأن قتل الصيد إتلاف والإتلاف مضمون في العمد والنسيان لكن المتعمد آثم والمخطئ غير ملوم ( يحكم به ) بالجزاء ( ذوا عدل ) رجلان صالحان ، فإن الأنواع تتشابه ، ففي النعامة بدنة ، والفيل بذات سنامين ، وفي حمار الوحش ، وبقرة بقرة ، ( منكم ) : من المسلمين ، ( هديا ) حال من ضمير به ( بالغ الكعبة ) صفة هديا ، والإضافة لفظية ، أي واصلا إليه [ ص: 501 ] بأن يذبح فيه ، ويتصدق به ، ( أو كفارة ) عطف على جزاء ( طعام مساكين ) بدل منه ، أو تقديره هي طعام ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر : ( كفارة ) بلا تنوين ، و ( طعام ) بالخفض على الإضافة ، لأن الكفارة لما تنوعت إلى تكفير بالطعام ، وتكفير بالجزء المماثل ، وتكفير بالصيام حسنت إضافتها لأحد أنواعها تبيينا لذلك ، والإضافة تكون بأدنى ملابسة .

( أو عدل ذلك صياما ) ، أي أو ما ساواه من الصوم ، فيصوم عن طعام كل مسكين يوما ، ( فمما يحكم به في الهدي شاة ) ، لأن النعم اسم للإبل ، والبقر ، والغنم ، ( وقد سماها الله هديا ) بقوله : هديا بالغ الكعبة ( سورة المائدة : الآية 95 ) ، وهذا من بديع الاستنباط والفقه .

( وذلك الذي لا اختلاف فيه عندنا ) بالمدينة ، ( وكيف يشك أحد في ذلك ، وكل شيء ) من الجزاء ( لا يبلغ أن يحكم فيه ببعير ، أو بقرة ، فالحكم فيه شاة ) ، إذ لا يجوز الحكم عليه بأزيد مما لزمه ، فهي جملة حالية مقوية للاستفهام الإنكاري ، أو التعجبي ، ( وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة ، فهو كفارة من صيام ، أو إطعام مساكين ) ، قال أبو عمر : أحسن مالك في احتجاجه هذا ، وأتى بما لا مزيد لأحد عليه حسنا ، وعليه جمهور العلماء ، وفقهاء الأمصار بالحجاز والعراق .

التالي السابق


الخدمات العلمية