صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا أنه الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت عائشة فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا فقالوا نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه قال يحيى بن سعيد فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد فقال أتتك والله بالحديث على وجهه
896 882 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) بن قيس الأنصاري ( قال : أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن ) بن سعد بن زرارة الأنصارية: ( أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول : خرجنا مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ) من المدينة سنة عشر من الهجرة ( لخمس ليال بقين من ذي القعدة ) بفتح القاف وكسرها ، سمي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال ، ومثل هذا التاريخ في حديث ابن عباس عند البخاري ، واحتج به ابن حزم على أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة كان يوم [ ص: 516 ] الخميس قال : لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك ، لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف ، وظاهر قوله يقتضي أن خروجه من المدينة يوم الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج ، وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس أنه صلى الظهر بالمدينة أربعا ، فبان أنه لم يكن يوم الجمعة ، فتعين أنه يوم الخميس بإلغاء يوم الخروج ، وتعقبه ابن القيم بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج ، أو على ترك عده ، ويكون ذو القعدة تسعا وعشرين يوما ، أيده الحافظ بما رواه ابن سعد والحاكم في الإكليل : أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة ، وفيه رد على منع إطلاق القول في التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصا ، فلا يصح الكلام ، فيقول مثلا : إن بقين بأداة الشرط ، ووجه الجواز أن الإطلاق يكون على الغالب .

( ولا نرى ) بضم النون ، أي : نظن ( إلا أنه الحج ) لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج .

وفي البخاري رواية أبي الأسود ، عن عروة عنها مهلين بالحج ، ولمسلم من طريق القاسم عنها : لا نذكر إلا الحج ، وله من هذا الوجه لبينا بالحج ، فظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا أولا محرمين بالحج ، لكن في رواية عروة السابقة في الموطأ : فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحجة وعمرة ، ومنا من أهل بالحج ، فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج ، فخرجوا لا يعرفون إلا هو ، ثم بين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوه الإحرام وجواز العمرة في أشهر الحج ، تقدم مزيد لذلك .

( فلما دنونا ) قربنا ( من مكة ) بسرف كما جاء عن عائشة ، أو بعد طوافهم بالبيت ، وسعيهم كما في رواية جابر ، ويحتمل تكريره الأمر بذلك مرتين في الموضعين ، وأن العزيمة كانت آخرا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة .

( أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة أن يحل ) بفتح أوله وكسر ثانيه ، أي يصير حلالا بأن يتمتع ، وهذا فسخ الحج إلى العمرة ، والأكثر على أنه خاص بالصحابة تلك السنة خاصة أو منسوخ .

( قالت عائشة : فدخل ) بضم الدال ، وكسر الخاء ، مبني للمجهول ( علينا يوم النحر ) بالنصب ظرفا ، أي في يوم النحر ( بلحم بقر فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : نحر ) وللبخاري ، ومسلم من رواية سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد : ذبح ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه ) ففيه دلالة على جواز ذبح البقر ، واتفق عليه العلماء ، إلا أن الذبح يستحب عندهم ، لقوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ( سورة البقرة : الآية 67 ) وخالف الحسن بن صالح ، فاستحب نحرها ، وأخذ من الاستفهام عن اللحم أنه لم يستأذنهن في ذلك ، إذ لو كان بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام ، لكن لا يدفع ذلك احتمال أنه [ ص: 517 ] استأذنهن ، ولما رأت اللحم احتمل عندها أنه الذي وقع فيه الاستئذان ، وأنه غيره ، فاستفهمت عنه لذلك .

قال ابن بطال : أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي ، ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون عن كل واحدة بقرة .

وأما رواية يونس ، عن الزهري عن عمرة عن عائشة : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر عن أزواجه بقرة واحدة " ، فقال إسماعيل القاضي : تفرد يونس بذلك ، وقد خالفه غيره ، قال الحافظ : ورواية يونس أخرجها النسائي ، وأبو داود ، وغيرهما ، ويونس ثقة حافظ ، وقد تابعه معمر عند النسائي ، ولفظ أصرح من لفظ يونس ، قال : ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة .

وللنسائي أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : " ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن " ، صححه الحاكم ، وهو شاهد قوي لرواية الزهري .

وأما ما رواه عمار الذهني ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ، قالت : " ذبح عنا رسول الله ، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، يوم حجنا بقرة بقرة " ، أخرجه النسائي أيضا ، فهو شاذ مخالف لما تقدم ، انتهى .

ولا شذوذ فإن عمارا الذهني ، بضم الذال المهملة وسكون الهاء ، ونون ، ثقة صدوق روى له مسلم وأصحاب السنن ، فزيادته مقبولة ، فإنه قد حفظ ما لم يحفظ غيره ، وزيادته ليست مخالفة لغيره ، فإن قول معمر : ما ذبح إلا بقرة ، المراد بها جنس بقرة ، أي لا بعير ، ولا غنم ، فلا ينافي الرواية الصريحة : أنه عن كل واحدة بقرة ، فمن شرط الشذوذ أن يتعذر الجمع ، وقد أمكن فلا تأييد فيها لرواية يونس التي حكم إسماعيل القاضي بشذوذها ، لأنه انفرد بقوله : واحدة ، وحديث أبي هريرة لا شاهد فيه فضلا عن قوته ، إذ قوله : ذبح بقرة بينهن ، لا صراحة فيه أنه لم يذبح سواها ، وإن كان ظاهره ذلك ، فتعارضه الرواية الصريحة في التعدد ، وقد رواه البخاري في الأضاحي ، ومسلم أيضا من طريق ابن عيينة ، عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ : " ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه بالبقرة " ، وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ أهدى بدل ضحى ، قال الحافظ : والظاهر أن التصرف من الرواة ، لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر ، فحمله بعضهم على الأضحية ، لكن رواية أبي هريرة صريحة في أنه كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ أهدى ، وتبين أنه هدي للتمتع ، فلا حجة فيه على مالك في قوله : لا ضحايا على أهل منى ، قيل : وفيه دلالة على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه ، وتعقب باحتمال الاستئذان كما مر ، وفيه جواز الأكل من الهدي .

( قال يحيى بن سعيد : فذكرت هذا الحديث ) الذي أخبرتني به عمرة ( للقاسم بن محمد ) بن أبي بكر الصديق ( فقال أتتك ) عمرة ( والله بالحديث على وجهه ) أي ساقته لك سياقا تاما لم [ ص: 518 ] تختصر منه شيئا ، وكأنه يشير إلى روايته هو عن عائشة ، فإنها مختصرة كما تقدمت الإشارة إليها ، رواها البخاري هنا ، عن عبد الله بن يوسف ، وفي الجهاد : عن القعنبي والترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق ابن القاسم ثلاثتهم ، عن مالك به ، وتابعه سليمان بن بلال في الصحيحين ، وعبد الوهاب الثقفي ، وسفيان عن مسلم ، ويحيى القطان ويحيى بن أبي زائدة عند أصحاب السنن ، خمستهم عن يحيى بن سعيد به .

التالي السابق


الخدمات العلمية