صفحة جزء
باب صلاة منى

قال مالك في أهل مكة إنهم يصلون بمنى إذا حجوا ركعتين ركعتين حتى ينصرفوا إلى مكة

وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة الرباعية بمنى ركعتين وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين شطر إمارته ثم أتمها بعد


[ ص: 544 ] 66 - باب صلاة منى

( قال مالك في أهل مكة : أنهم يصلون بمنى إذا حجوا ركعتين ركعتين ) بالتكرير للتعميم في كل رباعية ( حتى ينصرفوا إلى مكة ) لأن أهل مكة حجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقصروا معه بمنى ، ولم يقل لهم أتموا ، فدل على أنه قصر للنسك ، إذ ليس بين منى ومكة مسافة قصر ، وما رواه الترمذي عن عمران بن حصين : شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الفتح فكان يصلي ركعتين ويقول : يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر ؛ فضعيف ، ولو صح فلا دلالة فيه ، على أنه ترك إعلامهم بمنى استغناء بما تقدم بمكة ؛ لأن القصة في الفتح وقصة منى في حجة الوداع فكان لا بد من البيان بعد العهد .

918 903 - ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ) مرسل وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود وابن عمر : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة الرباعية بمنى ) ، زاد في رواية لمسلم عن ابن عمر : وعرفة ( ركعتين ) قصرا ( وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين ) في خلافته ( وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين ، وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين ) وفائدة ذكر الخلفاء مع قيام الحجة بالفعل النبوي وحده أن هذا الحكم لم ينسخ ، إذ لو نسخ ما فعله الخلفاء بعده ( شطر ) أي نصف ( إمارته ) بكسر الهمزة ، أي خلافته ، وفي مسلم عن ابن عمر وعثمان : ثمان سنين ، أو ست سنين بالشك ، وتبين من رواية الموطأ أن الصحيح ست ، لأن خلافته كانت ثنتى عشرة سنة ( ثم أتمها بعد ) بالبناء على الضم ، لأن القصر والإتمام جائزان للمسافر ، فرأى عثمان ترجيح طرف الإتمام لأن فيه زيادة مشقة .

وفي الصحيح عن ابن شهاب : قلت لعروة : ما بال عائشة تتم ؟ قال : تأولت كما تأول عثمان .

وهذا فيه رد [ ص: 545 ] على من زعم أن عثمان إنما أتم لأنه تأهل بمكة ، أو لأنه أمير المؤمنين ، فكل موضع له دار ، أو لعزمه على الإقامة بمكة ، أو لأنه استجد له أرضا بمنى ، أو لأنه كان سبق الناس إلى مكة لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة ، وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها ، ويرد الأول أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر بزوجاته وقصر ، والثاني : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أولى بذلك ، والثالث : أن الإقامة بمكة على المهاجر حرام ، والرابع والخامس : لم ينقلا فلا يكفي الظن في ذلك .

والأول وإن نقل ، وأخرجه أحمد ، والبيهقي عن عثمان ، وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر عليه الناس ، فقال : إني تأهلت بمكة لما قدمت ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من تأهل ببلد فإنه يصلي صلاة مقيم " فهذا حديث لا يصح لأنه منقطع ، وفي رواته من لا يحتج به ، ويرده قول عروة : إن عائشة تأولت ما تأول عثمان ، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا ، فدل على وهاء ذلك الخبر ، ثم ظهر لي أنه يمكن أن مراد عروة التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما ، ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأول عثمان ، وتكاثرت بخلاف تأويل عائشة ، والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا ، وأما من أقام في مكان أثناء سفره ، فله حكم المقيم فيتم ، لما رواه أحمد بإسناد حسن ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، قال : لما قدم معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة ، ثم انصرف إلى دار الندوة ، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان ، فقالا : لقد عبت أمر ابن عمك ؛ لأنه كان قد أتم الصلاة ، قال : وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر أربعا ، والعصر والعشاء أربعا أربعا ، ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة ، فإذا فرغ من الحج ، وقام بمنى أتم الصلاة .

وقال ابن بطال : الصحيح أن عثمان وعائشة رأيا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر على أمته ، فأخذا أنفسهما بالشدة ، ورجحه جماعة من آخرهم القرطبي ، لكن ما قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب .

وروى الطحاوي وغيره عن الزهري ، قال : إنما صلى عثمان أربعا ، لأن الأعراب كثروا في ذلك العام ، فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع .

وروى البيهقي عن عثمان : أنه أتم بمنى ، ثم خطب فقال : إن القصر سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ولكنه حدث طغام ، يعني بفتح الطاء والمعجمة ، فخفت أن يستنوا .

وله عن ابن جريج أن أعرابيا ناداه بمنى يا أمير المؤمنين ما زلت أصليهما منذ رأيتكم عام أول ركعتين ، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام ، ولا يعارض الوجه الأول الذي اخترته ، بل يقويه من حيث إن حالة الإقامة في أثناء السفر قريب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر ، وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان .

قاله الحافظ واستدل مالك بهذا الحديث على أن الحجاج يقصرون الصلاة بمنى وعرفة ، ولو كانوا من أهل مكة وبمكة ، ولو كانوا من أهل منى وعرفة ، وإنما يمتنع أن يقصر أهل مكة بها أو أهل منى بها أو عرفة بها لقصرهم مع النبي ، صلى الله عليه وسلم .

قال [ ص: 546 ] عياض : ولأن في تكرار مشاعر الحج ، ومناسكه مقدار المسافة التي يجوز فيها قصر الصلاة عند الجميع ، وقال الأكثر : إنما يجوز القصر لغير أهل مكة ومنى وعرفة ، لأنهم مقيمون أو في سفر قصير .

وقال بعض المالكية : لو لم يجز القصر لأهل مكة بمنى ، لقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم : أتموا ، وليس بين منى ومكة مسافة قصر ، فدل على أن القصر للنسك .

وأجيب بأن الترمذي روى عن عمران بن حصين : " شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفتح ، فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة يصلي ركعتين ، ويقول : يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر " ، فكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة ، قال الحافظ : وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ، ولو صح فالقصة في الفتح ، وقصة منى في حجة الوداع ، فكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد ، قال : ولا يخفى أن أصل البحث مبني على تسليم أن المسافة بين مكة ومنى لا قصر فيها ، وهي من محال الخلاف ، انتهى .

على أنه قد يدعى أن حديث عمران لو صح من أدلتنا ، إذ قوله ذلك لأهل مكة فيها دون قوله لهم لما حجوا معه بمنى وعرفة ، دليل على أنهم يقصرون في ذلك كما فهمه أسلم وابن المسيب كما ذكره بقوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية