صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجهاد باب الترغيب في الجهاد

حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع
[ ص: 3 ] 21 - كتاب الجهاد

بكسر الجيم أصله المشقة ، يقال : جهدت جهادا بلغت المشقة ، وشرعا : بذل الجهد في قتال الكفار .

ويطلق على مجاهدة النفس بتعلم أمور الدين ثم العمل بها ثم على تعليمها ، وعلى مجاهدة الشيطان بدفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات ، وعلى مجاهدة الفساق باليد ثم اللسان ثم القلب .

وأما مجاهدة الكفار فباليد والمال واللسان والقلب ، وشرع بعد الهجرة اتفاقا .

وللعلماء قولان مشهوران : هل كان فرض عين أو كفاية ؟ وقال الماوردي : كان فرض عين على المهاجرين دون غيرهم ، ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح على كل من أسلم إلى المدينة لنصر الإسلام .

وقال السهيلي : كان عينا على الأنصار دون غيرهم ، ويؤيده مبايعتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة على أن يؤوه وينصروه ، فتخرج من قولهما أنه كان عينا على الطائفتين كفاية في حق غيرهم ، ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم ، بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق ، وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار ابتداء ، ويؤيد هذا ما وقع في قصة بدر وقد كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى من عينه ولو لم يخرج .

وأما بعده ففرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو ، وبتعيين الإمام ، وتتأدى الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور لأن الجزية بدل عنه ، وإنما يجب في السنة مرة اتفاقا فبدلها كذلك ، وقيل : يجب كلما أمكن وهو قوي ، قال بعضهم : والتحقيق أن جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه .

1 - باب الترغيب في الجهاد

973 957 - ( مالك عن أبي الزناد ) - بكسر الزاي وخفة النون - عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج ) [ ص: 4 ] عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مثل المجاهد في سبيل الله ) زاد البخاري عن ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا : " والله أعلم بمن يجاهد في سبيله " أي يعقد نيته إن كانت خالصة لإعلاء كلمته فذلك المجاهد في سبيله ، وإن كان في نيته حب المال والدنيا واكتساب الذكر فقد أشرك مع سبيل الله الدنيا .

( كمثل الصائم ) نهاره ( القائم ) ليله للصلاة ( الدائم الذي لا يفتر ) بضم التاء لا يضعف ولا ينكسر ( من صلاة ولا صيام ) تطوعا ، ومن كان كذلك فأجره مستمر ، فكذلك المجاهد لا تضيع ساعة من ساعاته بلا ثواب ( حتى يرجع ) من جهاده .

قال تعالى : ( ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ) ( سورة التوبة : الآية 120 ) الآيتين ، ومثله بالصائم القائم لأنه ممسك لنفسه عن الأكل والشرب والنوم واللذات ، والمجاهد ممسك لها على محاربة العدو ، حابس لها على من يقاتله .

قال البوني : يحتمل أنه ضرب ذلك مثلا وإن كان أحد لا يستطيع كونه قائما مصليا لا يفتر ليلا ولا نهارا ، ويحتمل أنه أراد التكثير .

ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة : كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله .

زاد النسائي من هذا الوجه : الخاشع الراكع الساجد .

قال الباجي : أحال ثواب الجهاد على الصائم القائم وإن كنا لا نعرف مقداره لما قرر الشرع من كثرته وعرف من عظمه .

قال عياض : هذا تفخيم عظيم للجهاد ; لأن الصيام وغيره مما ذكر من الفضائل قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة تعدل أجر المواظب على الصلاة وغيرها ، وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس وإنما هي إحسان من الله لمن شاءه ، انتهى .

ثم لا معارضة بين هذا وبين الخبر المار : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم ؟ إلى أن قال : ذكر الله " ، إما لأن المراد الذكر الكامل وهو ما اجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالشكر واستحضار عظمة الرب وهذا لا يعدله شيء ، وفضل الجهاد وغيره إنما هو بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد باعتبار أحوال المخاطبين كما مر مع مزيد حسن في باب ذكر الله من أواخر الصلاة .

وقال ابن دقيق العيد : القياس يقتضي أن الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل ; لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه ، ففضله بحسب فضل ذلك انتهى .

وأما حديث ابن عباس مرفوعا : " ما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام يعني أيام عشر ذي الحجة قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد " فيحتمل أن يخص به عموم حديث الباب ، أو أنه مخصوص بمن خرج قاصدا المخاطرة بنفسه وماله فأصيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية