صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النذور والأيمان باب ما يجب من النذور في المشي

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقضه عنها
[ ص: 83 ] بسم الله الرحمن الرحيم

22 - كتاب النذور والأيمان

جمع مصدر " نذر " بفتح الذال " ينذر " بضمها وكسرها وهو لغة الوعد بخير أو شر .

وفي الشرع : التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع .

وحديث : " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه " إنما سماه نذرا باعتبار الصورة كما قال في الخمر وبائعها مع بطلان البيع ، ولذا قال في الحديث الآخر : " لا نذر في معصية " .

والأيمان ، بفتح الهمزة جمع يمين وهي خلاف اليسار أطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل يمين صاحبه ، أو لحفظها المحلوف عليه كحفظ اليمين ، وسمي ألية وحلفا ، وشرعا : تحقيق ما لم يجب بذكر اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته ، هذا إن قصد بها الموجبة للكفارة وإلا زيد ، وما أقيم مقامه ليدخل الحلف بنحو إطلاق أو عتق وابتدأه بالبسملة تبركا فقال :

1 - باب ما يجب من النذور في المشي

1025 1007 - ( مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله ) بضم العين ( بن عبد الله ) بفتحها ( بن عتبة ) بضمها وإسكان الفوقية ( عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة ) الأنصاري الخزرجي أحد النقباء وسيد الخزرج وأحد الأجواد وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرا ، والمعروف عند أهل المغازي أنه تهيأ للخروج فنهش فأقام ، مات بالشام سنة خمس عشرة ، وقيل غير ذلك .

قال الحافظ : هكذا رواه مالك وتبعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما .

وقال سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن سعد : أخرج جميع ذلك النسائي ، وأخرجه أيضا من رواية الأوزاعي وابن عيينة كلاهما عن الزهري على الوجهين [ ص: 84 ] وابن عباس لم يدرك القصة ، فترجح رواية من زاد عن سعد ويكون ابن عباس أخذه عنه ، ويحتمل أنه أخذه من غيره ، وإن من قال عن سعد بن عبادة لم يقصد به الرواية وإنما أراد عن قصة سعد فتتحد الروايتان .

( استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أمي ) عمرة بنت مسعود وقيل : سعد بن قيس الأنصارية الخزرجية أسلمت وبايعت ( ماتت ) والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائب في غزوة دومة الجندل وكانت في شهر ربيع الأول سنة خمس وكان ابنها سعد معه ، فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء قبرها فصلى على قبرها بعد دفنها بشهر ذكره ابن سعد ، فهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس كان حينئذ بمكة مع أبويه فيحتمل أنه حمله عن سعد أو عن غيره ( وعليها نذر ) وجب كانت علقته على شيء حصل ( ولم تقضه ) لتعذره بسرعة موتها أو أخرته لجواز تأخيره إذ لا يلزم تعجيله ما لم يغلب على الظن الفوات ، ويستحب تعجيله لبراءة الذمة ويحتمل أن يريد عليها نذر لم يجب أداؤه فماتت قبله ، لم يلزم قضاؤه وإن فعل فحسن كما قال عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني نذرت اعتكاف يوم في الجاهلية فقال له : أوف بنذرك " فأمره بوفائه وإن لم يلزم ما نذره في كفره ، والأظهر الأول لأن " على " إنما يستعمل فيما يجب ، كما أن الأظهر أن نذرها مطلق ، إذ لو كان مقيدا لاستفسره النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن المقيد منه ما يجوز وما لا يجوز قاله الباجي .

وقال ابن عبد البر : قيل كان صياما نذرته ولا يثبت ذلك وأطال في تضعيفه ، وقيل كان عتقا لحديث القاسم بن محمد : " أن سعدا قال : إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : نعم " وقيل : كان صدقة لآثار جاءت في ذلك وقيل نذرا مطلقا على ظاهر حديث ابن عباس ، وكفارته كفارة يمين عند الأكثر وروي ذلك عن عائشة وابن عباس وجابر وجماعة من التابعين انتهى .

وفي رواية سليمان بن كثير عن الزهري بسنده أن سعدا قال : " أفيجزي عنها أن أعتق عنها ؟ قال أعتق عن أمك رواه النسائي .

قال الحافظ : فأفادت هذه الرواية النذر المذكور وهو العتق فماتت قبله .

ويحتمل أن نذرها مطلق فيكون الحديث حجة للقول بأن كفارته كفارة يمين والعتق أعلى كفارات اليمين فلذا أمره أن يعتق عنها .

( فقال - صلى الله عليه وسلم - : اقضه عنها ) استحبابا لا وجوبا ، خلافا للظاهرية تعلقا بظاهر الأمر قائلين : سواء كان في مال أو بدن .

وروى الدارقطني في الغرائب عن حماد بن خالد عن مالك بسنده : " أن سعدا قال : يا رسول الله أينفع أمي أن أتصدق عنها وقد ماتت ؟ قال : نعم ، قال : فما تأمرني ؟ قال : اسق الماء " والمحفوظ عن مالك حديث الباب .

وروى النسائي من طريق سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال : " قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم ، قلت : أي الصدقة أفضل ؟ قال : سقي الماء " وللبخاري أن سعدا قال : " أينفعها شيء إن تصدقت به عنها ؟ قال : نعم ، قال : [ ص: 85 ] فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها " وفي رواية أنها كانت تحب الصدقة ، وطريق الجمع أنه تصدق عنها بذلك كله العتق وسقي الماء والحائط المسمى بالمخراف بكسر الميم وسكون المعجمة وبالفاء ، قال الباجي : الاستفتاء يكون لجميع الأمة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وللعامي مع العالم ، وأما العالمان المجتهدان فسؤال أحدهما للآخر على وجه المذاكرة والمناظرة جائز إذا التزما شروط المناظرة من الإنصاف وقصد إظهار الحق والتعاون على الوصول إليه ، وأما سؤاله مستفتيا مع تساويهما في العلم وتمكن السائل من النظر والاستدلال فلا يجوز اتفاقا ، فإن كان لأحدهما شغوف في العلم فهل يجوز لمن دونه تقليده مع تمكنه من النظر ؟ والاستدلال الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز خلافا لبعض أصحاب أبي حنيفة فإن خاف العالم فوات حادثة فذهب عبد الوهاب إلى جواز استفتاء غيره ومنع منه سائر أصحابنا وقالوا يتركها لغيره وهذا يتصور فيما يستفتى فيه .

وأما ما يخصه فلا بد فيه مما قاله عبد الوهاب انتهى .

ولم يظهر لي مطابقة الترجمة للحديث .

ورواه البخاري في الوصايا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ، وتابعه شعيب بن أبي حمزة عند البخاري في الصحيحين ويونس ومعمر وبكر بن وائل عند مسلم كلهم عن ابن شهاب .

وقال ابن عبد البر : ليس عن مالك ولا عن ابن شهاب اختلاف في إسناد هذا الحديث ، وقد رواه هشام بن عروة عن ابن شهاب حدث به الدراوردي عن هشام به ، ورواه عبد الله بن سليمان عن هشام عن بكر بن وائل عن الزهري بإسناد مثله انتهى ، ورواية عبدة في مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية