صفحة جزء
باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل

حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يصيبه جنابة من الليل فقال له رسول الله توضأ واغسل ذكرك ثم نم
19 - باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل

بفتح أوله والعين من باب فرح أي يأكل الطعام وهو يقع على كل ما يساغ حتى الماء وذوق الشيء ، في التنزيل ومن لم يطعمه فإنه مني ، وقال - صلى الله عليه وسلم - في زمزم : " إنها طعام طعم " أي يشبع منه الإنسان ، والطعم بالضم الطعام ، قال الشاعر :


وأوثر غيري من عيالك بالطعم



أي بالطعام .

وفي التهذيب : الطعم بالضم الحب الذي يلقى للطير ، وإذا أطلق أهل الحجاز لفظ الطعام عنوا به البر خاصة ، وفي العرف : الطعام اسم لما يؤكل كالشراب لما يشرب .

[ ص: 201 ] 109 107 - ( مالك عن عبد الله بن دينار ) هكذا اتفق عليه رواة الموطأ .

ورواه مالك خارج الموطأ عن نافع بدل ابن دينار ، وقال أبو علي الجياني والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعا .

وقال ابن عبد البر : الحديث لمالك عنهما لكن المحفوظ عن ابن دينار ، وحديث نافع غريب ، وتعقبه الحافظ بأنه رواه عن مالك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة ، وإن ساقه الدارقطني في غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ فهي غرابة خاصة بالنسبة للموطأ ، نعم رواية الموطأ لشهر ( عن عبد الله بن عمر أنه قال : ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) مقتضاه أنه من مسند ابن عمر كما هو عند أكثر الرواة ، ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر ، وقد بين النسائي سبب ذلك من طريق ابن عون عن نافع قال : أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له فأتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأمره فقال : " ليتوضأ ويرقد " وعلى هذا فالضمير في قوله : ( أنه يصيبه ) لابن عمر ( جنابة من الليل ) أي في الليل كقوله : ( من يوم الجمعة ) ( سورة الجمعة : الآية 9 ) أي فيه ، ويحتمل أنها لابتداء الغاية في الزمان أي ابتداء إصابة الجنابة الليل كما قيل في قوله تعالى : ( من أول يوم ) ( سورة التوبة : الآية 108 ) .

( فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : توضأ ) يحتمل أن يكون ابن عمر كان حاضرا فوجه الخطاب إليه ، ويحتمل أن الخطاب لعمر في غيبة ابنه جواب استفتائه ولكن يرجع إلى ابنه ; لأن استفتاء عمر إنما هو لأجل ابنه ( واغسل ذكرك ) أي اجمع بينهما فالواو لا ترتب ، وفي رواية أبي نوح عن مالك : " اغسل ذكرك ثم توضأ " ولذا قال أبو عمر : هذا من التقديم والتأخير أراد اغسل ذكرك وتوضأ .

وكذا روي من غير طريق بتقديم غسله على الوضوء ، قال الحافظ : وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال : يجوزتقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وإنما هو للتعبد ، إذ الجنابة أشد من مس الذكر ، وتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء ويمكن أن يؤخر عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض ، ( ثم نم ) فيه من البديع جناس التصحيف ، وجاء هذا الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط في البخاري من طريق جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال : استفتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال : " نعم ، ينام إذا توضأ " ، قال ابن دقيق العيد : وهو متمسك لمن قال بوجوبه .

وقال ابن عبد البر : ذهب الجمهور إلى أنها [ ص: 202 ] للاستحباب وهو قول مالك والشافعي وأحمد ، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه وهو شذوذ .

وقال ابن العربي : قال مالك والشافعي : لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ ، وأنكر عليه لأنهما لم يقولا بوجوبه ولا يعرف عنهما ، وقد نصمالك في المجموعة على أن هذا الوضوء ليس بواجب ، وأجيب بأن مراده نفي الإباحة المستوية الطرفين لا إثبات الوجوب ، أو أراد أنه متأكد الاستحباب بدليل أنه قابله بقول ابن حبيب : هو واجب وجوب الفرائض ، واستدل ابن خزيمة وأبو عوانة لعدم الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة " وقدح في هذا الاستدلال ابن رشد وهو واضح ، ثم جمهور العلماء أن الوضوء هنا الشرعي ، وحكمته تخفيف الحدث لاسيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء ، وقد علله شداد بن أوس الصحابي بأنه نصف غسل الجنابة ، رواه ابن أبي شيبة ورجاله ثقات ، وقيل حكمته أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل إذا بل أعضاءه ، وقيل ليبيت على إحدى طهارتين خشية أن يموت في منامه .

وقد روى الطبراني في الكبير بسند لا بأس به عن ميمونة بنت سعد قالت : قلت : يا رسول الله هل يأكل أحدنا وهو جنب ؟ قال : " لا يأكل حتى يتوضأ " ، قلت : يا رسول الله هل يرقد الجنب ؟ قال : " ما أحب أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ فإني أخشى أن يتوفى فلا يحضره جبريل " وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة واستحباب التنظيف عند النوم ، قال ابن الجوزي : وحكمته أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك .

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى ، وأبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به .

التالي السابق


الخدمات العلمية