صفحة جزء
باب المقام عند البكر والأيم

حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت فقالت ثلث
5 - باب المقام عند البكر والثيب .

كذا عند أبي عمر ، وفي نسخة : والأيم ، أي : الثيب ، بفتح الميم وضمها ، قال الجوهري : قد يكون كل منهما بمعنى الإقامة ، وقد يكون بمعنى موضع القيام ، لأنك إن جعلته من قام يقوم فمفتوح ، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم ; لأن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم لأنه مشبه ببنات الأربعة نحو دحرج ، وقوله تعالى : لا مقام لكم [ سورة الأحزاب : الآية 13 ] بالفتح أي لا موضع لكم ، وقرئ بالضم أي لا إقامة لكم .

1123 1103 - ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ) بفتح العين ( ابن حزم ) بالمهملة والزاي الأنصاري المدني ( عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ) المدني ، ثقة من رجال الجميع مات في أول خلافة هشام ( عن أبيه ) قال ابن عبد البر : ظاهره الانقطاع أي الإرسال ، وهو متصل صحيح قد سمعه أبو بكر من أم سلمة كما في مسلم وأبي داود وابن ماجه من طريق محمد بن أبي بكر عن عبد الملك عن أبيه عن أم سلمة ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج أم سلمة ) هند بنت أبي أمية المخزومية الفاضلة بارعة الجمال ( وأصبحت عنده ) وفي رواية لمسلم : دخل عليها فأراد أن يخرج أخذت بثوبه ( قال لها : ليس بك ) بكسر الكاف ، وفي رواية : إنه ليس بك بضمير الأمر أو الشأن ( على أهلك ) يعني نفسه الكريمة ، وكل من الزوجين أهل ( هوان ) أي لا أفعل فعلا يظهر به هوانك علي أو تظنيه ، وفيه : اللطف والرفق بمن يخشى منه كراهة الحق حتى يتبين له وجه الحق ، قاله عياض .

وقال النووي : معناه لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك شيء بل تأخذينه كاملا .

قال الأبي : وقيل المراد بأهلها قبيلتها لأن الإعراض عن المرأة وعدم المبالاة [ ص: 204 ] بها يدل على عدم المبالاة بأهلها ، فالباء على الأول متعلقة بهوان وعلى الثاني للسببية أي لا يلحق أهلك هوان بسببك . ( إن شئت سبعت عندك ) أي أقمت سبعا لأنهم اشتقوا الفعل من الواحد إلى العشرة ( وسبعت عندهن ) أي أقمت عند كل واحدة من بقية نسائي سبعا ( وإن شئت ثلثت ) أي أقمت ثلاثا ( عندك ودرت ) على بقية نسائي بالقسم يوما يوما ، ففيه حجة لمالك في أن القسم لا يكون إلا يوما واحدا ، وأجازه الشافعي يومين يومين أو ثلاثا ثلاثا ، ولا خلاف في جواز أكثر من يوم مع التراضي هكذا قال عياض وغيره .

وقال الأبي : وإنما يدل لمالك إن كان معنى درت ما ذكر وإلا فقد قال المخالف معناه درت بالتثليث ، ورده ابن العربي بأن هذه زيادة لا تقبل إلا بدليل وبقوله للبكر سبع وللثيب ثلاث فجعله حكما مبتدأ ، والأولى في رده أن قوله درت إحالة على ما عرف من حاله والمعروف منه في القسم إنما كان يوما يوما .

وفي رواية لمسلم : " فقال - صلى الله عليه وسلم - : إن شئت زدتك وحاسبتك به للبكر سبع وللثيب ثلاث " ( فقالت : ثلث ) قال عياض : اختارت التثليث مع أخذها بثوبه حرصا على طول إقامته عندها لأنها رأت أنه إذا سبع لها وسبع لغيرها لم يقرب رجوعه إليها .

وقال الأبي : لاطفها - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول الحسن أي ليس بك على أهلك هوان تمهيدا للعذر في الاقتصار على الثلاث ، أي ليس اقتصاري عليها لهوانك علي ولا لعدم رغبة فيك ولكنه الحكم ثم خيرها بين الثلاث ولا قضاء لغيرها ، وبين السبع ويقضي لبقية أزواجه فاختارت الثلاث ليقرب رجوعه إليها ; لأن في قضاء السبع لغيرها طول مغيبه عنها . انتهى .

وفيه تخيير الثيب بين الثلاث بلا قضاء والسبع والقضاء ، وإليه ذهب الجمهور والشافعي وأحمد ، وقال مالك وأصحابه : لا تخير ، وتركوا حديث أم سلمة لحديث أنس : " للبكر سبع وللثيب ثلاث " قاله ابن عبد البر وبه تعقب نقل النووي عن مالك موافقة الجمهور ، قال المازري : ويمكن عندي أن مالكا رأى ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - لأنه خص في النكاح بخصائص ا هـ .

ومعناه أن احتمال الخصوصية منع من الاستدلال به ، فرجع إلى حديث أنس ، ولا يرد أن التخصيص لا يثبت بالاحتمال ، وفي قوله إن شئت . . . إلخ ، أنه لا يحاسب الثيب بالثلاث خلافا للحنفية إذ لو حوسبت لم يبق فرق بين السبع والثلاث وبين سائر الأعداد .

وقال الأبي : وجه احتجاج أبي حنيفة بالحديث أنه لو كانت الثلاث حقا للثيب خالصة لكان حقه أن يدور عليهن أربعا لأن الثلاث حق لها .

والجواب ما قال ابن القصار أنه إنما هي لها بشرط ألا تختار السبع ، أيضا فمعناه عند الأكثر " سبعت " بعد التثليث .

قال القرطبي : وقسمه - صلى الله عليه وسلم - بين أزواجه إنما هو تطييب لقلوبهن وإلا فالقسم لا يجب عليه لقوله تعالى : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء [ سورة الأحزاب : الآية 51 ] وهذا على مذهب مالك ، وذهب الأكثر إلى وجوبه عليه - صلى الله عليه وسلم - وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك [ ص: 205 ] به على صورة الإرسال ، وتابعه على إرساله عبد الرحمن بن حميد عن عبد الملك بن أبي بكر عند مسلم أيضا ، ووصله محمد بن أبي بكر عن عبد الملك عن أبيه عن أم سلمة ، وتابعه في شيخه عبد الواحد بن أيمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة أخرجهما مسلم أيضا ولهذا استدركه الدارقطني على مسلم ، قال النووي : وهو فاسد لأن مسلما بين اختلاف الرواة في إرساله واتصاله ، ومذهبه ومذهب الفقهاء والأصوليين ومحققي المحدثين : إذا روي الحديث مرسلا ومتصلا فالحكم للوصل لأنه زيادة ثقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية