صفحة جزء
باب غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سليم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل أتغتسل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فلتغتسل فقالت لها عائشة أف لك وهل ترى ذلك المرأة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تربت يمينك ومن أين يكون الشبه
21 - باب غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

117 115 - ( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سليم ) كذا لرواة الموطأ ، ولابن [ ص: 210 ] أبي أويس عن أم سليم ، وكل من رواه عن مالك لم يذكر فيه عائشة إلا ابن نافع وابن أبي الوزير فروياه عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أم سليم ، أخرجه ابن عبد البر وقال : تابعهما معن وعبد الملك بن الماجشون وحباب بن جبلة ، وتابعهم خمسة عن ابن شهاب ، وتابعه مسافع الحجبي عن عروة عن عائشة ، وقد أخرجه مسلم وأبو داود من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أم سليم ( قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ولمسلم من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال : جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له وعائشة عنده : يا رسول الله ( المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل ) ولأحمد من حديث أم سليم أنها قالت : يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام ( أتغتسل ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم فلتغتسل ) إذا رأت الماء كما في تاليه .

وعند ابن أبي شيبة فقال : " هل تجد شهوة ؟ " قالت : لعله ، فقال : " هل تجد بللا ؟ " قالت : لعله ، قال : " فلتغتسل " .

فلقيتها النسوة فقلن : فضحتينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حل أنا أم في حرام ؟
ففيه وجوب الغسل على المرأة بالإنزال في المنام ، ونفى ابن بطال الخلاف فيه لكن رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي وإسناده جيد ، فيدفع استبعاد النووي صحته عنه ، وكأن أم سليم لم تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وتوهمت خروج المرأة من ذلك لندور نزول الماء منها .

وروى أحمد عنها : فقلت : يا رسول الله وهل للمرأة ماء ؟ فقال : " هن شقائق الرجال " قال الرافعي : أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق .

( فقالت لها عائشة : أف لك ) قال عياض : أي استحقارا أو هي كلمة تستعمل في الأقذار والاستحقار ، وقيل التضجر والكراهة .

قال الباجي : وهي هنا بمعنى الإنكار .

قال ابن العراقي : ولا مانع من أنها على بابها أي أنها تضجرت من ذكر ذلك وكرهته أو استقذرت ذكره بحضرة الرجال .

قال عياض : وأصل الأف وسخ الأظفار ، وقيل وسخ الأذن وهو بضم الهمزة وكسر الفاء وضمها وفتحها بالتنوين وتركه فهذه ستة ، وأفه بالهاء وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء وأف بضمها وسكون الفاء ، وأفى بضم الهمزة والقصر .

قال السيوطي : بل فيه نحو أربعين لغة حكاها أبو حيان وغيره .

ومثل هذا في رواية إسحاق عن أنس عند مسلم ، وله عن قتادة عن أنس فقالت أم سلمة : واستحيت هل يكون هذا ، وله عن أم سلمة فقالت أم سلمة : يا رسول الله وتحتلم المرأة ؟ فقال : " تربت يداك فبما يشبهها ولدها " .

وجمع عياض باحتمال أن عائشة وأم سلمة كلتاهما أنكرتا على أم سليم ، فأجاب كل واحدة منهما بما أجابها ، وإن كان أهل الحديث يقولون : الصحيح هنا أم سلمة لا عائشة وهو جمع حسن في الفتح .

( وهل ترى ذلك ) بكسر الكاف ( المرأة ) قال الولي العراقي : [ ص: 211 ] أنكرت عليها بعد جواب المصطفى لها لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشيء تحقق وقوعه ، فالفقهاء يذكرون الصور الممكنة ليعرفوا حكمها وإن لم يقع بل قد يصورون المستحيل لتشحيذ الأذهان . انتهى .

وقال ابن عبد البر : فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك ، قال : وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في النساء أوجد وأكثر ، وعكس ذلك ابن بطال فقال : فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن ، قال الحافظ : والظاهر أن مراده الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك ، قال السيوطي : وأي مانع أن يكون ذلك خصوصية لأزواجه - صلى الله عليه وسلم - أنهن لا يحتلمن كما أن من خصائص الأنبياء لا يحتلمون لأنه من الشيطان فلم يسلطه عليهم ، وكذا لا يسلط على أزواجه تكريما له ؟ قلت : المانع من ذلك أن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وهو كغيره لم يثبت ذلك للأنبياء إلا بالدليل ، وقد قال الحافظ ولي الدين العراقي : بحث بعض أصحابنا في الدرس فمنع وقوعه من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - بأنهن لا يطعن غيره لا يقظة ولا مناما ، والشيطان لا يتمثل به وفيه نظر ، لأنهن قد يحتلمن من غير رؤية كما يقع لكثير من الناس ، أو يكون سبب ذلك شبعا أو غيره ، والذي منعه بعض العلماء هو وقوع الاحتلام من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . انتهى .

( فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ) ولمسلم عن أنس فقالت عائشة : يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " بل أنت ( تربت يمينك ) " قال النووي : في هذه اللفظة خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها ، والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناها أن أصلها افتقرت ، ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها فيقولون : تربت يداك ، وقاتله الله ما أشجعه ، ولا أم له ولا أب له ، وثكلته أمه وما أشبه هذا عند إنكار الشيء أو الزجر عنه أو الذم عليه أو استعظامه أو الحث عليه أو الإعجاب به .

وقال عياض : هذا اللفظ وما أشبهه يجري على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء ، وقد قال البديع في رسالته :


قد يوحش اللفظ وكله ود ويكره الشيء وليس من فعله بد

هذه العرب تقول لا أب لك للشيء إذا أهم ، وقاتله الله ولا يريدون الذم ، وويل أمه للأمر إذا تم ، وللألباب في هذا الباب أن تنظر إلى القول وقائله فإن كان وليا فهو الولاء وإن خشن ، وإن كان عدوا فهو البلاء وإن حسن .

وقال الباجي : الأظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - خاطبها على عادة العرب في تخاطبها من استعمال هذه اللفظة عند الإنكار لمن لا يريدون فقره ، ولمن كان معناها افتقرت يقال : ترب فلان إذا افتقر فلصق بالتراب ، وأترب إذا [ ص: 212 ] استغنى وصار ماله كالتراب كثرة .

وكذا قال عيسى بن دينار : ما أراه أراد إلا خيرا ، وما الأتراب إلا الغنى ، فرأى أنه منه وإنما هو من التراب ، ويحتمل أنه قال ذلك لها تأديبا لإنكارها ما أقر عليه ، وهو لا يقر إلا على الصواب ، وقد قال : " اللهم أيما مؤمن سببته فاجعل ذلك قربة إليك " فلا يمتنع أن يقول لها ذلك لتؤجر وليكفر لها ما قالته . انتهى .

ويؤيده أن عائشة قالت لأم سليم : تربت يمينك ، فرد عليها بقوله : " بل أنت تربت يمينك " كما قدمته من مسلم ، وقيل معناه ضعف عقلك ، أتجهلين هذا ، أو افتقرت بذلك من العلم ؟ أي إذا جهلت مثل هذا فقد قل حظك من العلم .

وقال الأصمعي : معناه الحض على تعلم مثل هذا .

وقال أبو عمر : معناه أصابها التراب ولم يدع عليها بالفقر .

( ومن أين يكون الشبه ) بفتح الشين والباء وبكسر الشين وسكون الباء أي شبه الابن لأحد أبويه أو لأقاربه ، فللمرأة ما تدفعه عند اللذة الكبرى كما للرجل ما يدفعه عندها .

وفي مسلم عن أنس : فقال نبي الله : " نعم ، فمن أين يكون الشبه ؟ " إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه .

وفي رواية لمسلم أيضا عن عائشة فقال : " وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ؟ إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه " .

وفي مسلم أيضا عن ثوبان : أنه - صلى الله عليه وسلم - أجاب اليهودي عن ذلك بقوله : " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة ذكر بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثى بإذن الله " ، فدل مجموع الحديثين على أنه إذا سبق ماء الرجل جاء الولد ذكرا وأشبه أعمامه ، وإذا سبق ماء المرأة جاء أنثى وأشبه خاله ، والمشاهدة تدفعه لأنه قد يكون الولد ذكرا ويشبه أخواله وقد يكون أنثى ويشبه أعمامه ، فتعين تأويل أحد الحديثين .

قال القرطبي : والذي يتعين تأويل حديث ثوبان فيقال إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم ، ووجهه أن العلو لما كان معناه الغلبة والسابق غالبا في ابتدائه في الخروج قبل غلبه علاه ، ويؤيده أنه روي في غير مسلم : " إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا " انتهى .

ويشكل عليه قوله في رواية مسلم السابقة : " فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه " ويجوز أن يقال الذكورة والأنوثة شبه أيضا باعتبار الجنسية فيكون كثرته مقتضية للشبه في الصورة وسبقه مقتضيا للشبه في الجنسية .

وفي الحديث رد على من زعم أن الولد من ماء المرأة فقط ، وأن ماء الرجل عاقد له كالأنفحة للبن ، بل هو مخلوق من الماءين جميعا ، وفيه استعمال القياس لأن معناه : من كان منه إنزال الماء عند الجماع أمكن منه إنزال الماء عند الاحتلام ، فأثبت الإنزال عند الجماع بدليل وهو الشبه ، وقاس عليه الإنزال بالاحتلام ، ذكره الحافظ ولي الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية