صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة قال ابن شهاب فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت صدق عروة وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ثلاثة قروء فقالت عائشة صدقتم تدرون ما الأقراء إنما الأقراء الأطهار
1221 1206 - ( مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها انتقلت ) أي نقلت ( حفصة ابنة ) شقيقها ( عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ) لما طلقها المنذر بن الزبير بن العوام ( حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة ) لتمام عدتها ; إذ الأقراء الأطهار كما دل عليه حديث ابن عمر ( قال ابن شهاب : فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن ) الأنصارية ، أحد المكثرين عن عائشة ( فقالت : صدق عروة ) فيما روى عن عائشة ( وقد جادلها ) خاصمها بشدة ( في ذلك ناس فقالوا : إن الله - تبارك وتعالى - يقول في كتابه ) ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) تمضي من حين الطلاق ، جمع قرء ، بفتح القاف ( فقالت : صدقتم ) في أنه قاله ، ولكن ( تدرون ) بحذف همزة الاستفهام ، أي أتعلمون ( ما الأقراء ؟ ) جمع قرء ، بالضم ، مثل قفل وأقفال ( إنما الأقراء الأطهار ) قال أبو عمر : لم تختلف العلماء ولا الفقهاء أن القرء لغة يقع على الطهر والحيضة ، إنما اختلفوا في المراد في الآية ، فقال جمهور أهل المدينة : الأطهار ، وقال العراقيون : الحيض ، وحديث ابن عمر يدل للأول لقوله : ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله ، فأخبر أن الطلاق للعدة لا يكون إلا في طهر ، فهو بيان لقوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) ( سورة الطلاق : الآية 1 ) وقرئ " لقبل عدتهن " أي لاستقبالها ، ونهى عن الطلاق في الحيض ; لأنها لا تستقبل العدة في تلك الحيضة عند الجميع ، والقول بأن القرء مأخوذ من قرأت الماء في [ ص: 308 ] الحوض ليس بشيء لأن القرء مهموز وهذا ليس بمهموز . وقال الأصمعي : أصل القرء الوقت ، يقال : أقرأت النجوم إذا طلعت لوقتها . وقال عياض : اختلف السلف ومن بعدهم من العلماء واللغويين في معنى الآية هل هو الحيض أو الطهر أو مشترك ؟ فتكون حقيقة فيهما أو حقيقة في الحيض مجازا في الطهر ، أو المراد به الانتقال من حال إلى حال دون كونه اسما للطهر أو الحيض ، فمعنى " ثلاثة قروء " ثلاث انتقالات ، وإذا علم ما هو مشتق منه اتضح فقيل : من الوقت ، فيحتمل الأمرين ، وقيل : من الجمع ، فهو ظاهر في الأطهار ، وقيل : من الانتقال من حال إلى حال ، فيكون ظاهرا في الطهر والحيض جميعا ، لكن الثلاث انتقالات إنما تستقيم بالانتقال من الطهر إلى الحيض لا عكسه ; لأن الطلاق في الحيض لا يجوز ، ويعضده أن براءة الرحم إنما تعرف بالانتقال من الطهر إلى الحيض ، ولذا كان استبراء الإماء بالحيض لأن مجيئه غالبا دليل على براءة الرحم ، ولا يدل مجيء الطهر على براءته إذ قد تحمل في آخر حيضها ، فكانت الثلاث في الحرائر كالواحدة في استبراء الإماء إلا ما حكاه القاضي إسماعيل عن أبي عبيدة ، وهذا اختيار الطبري والشافعي ومحققي أصحابنا المتأخرين ، وهو حسن دقيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية