صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا فقال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا
1315 1303 - ( مالك ، عن عبد الحميد ) بالمهملة ثم الميم ، رواه يحيى وابن نافع وابن يوسف ، وقال جمهور رواة الموطأ : عبد المجيد ، بميم تليها جيم وهو المعروف ، وكذا ذكره البخاري والعقيلي وهو الصواب ، والحق الذي لا شك فيه والأول غلط ، قاله أبو عمر ( ابن سهيل ) بالتصغير ، زوج الثريا بنت عبد الله الذي يقول فيه عمر بن ربيعة :

أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان     هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يمان

( ابن عبد الرحمن بن عوف ) الزهري ، ثقة ، حجة ، روى عنه مالك وابن عيينة وسليمان بن بلال والدراوردي ، وله مرفوعا في الموطأ هذا الحديث الواحد ( عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد ) بكسر العين ، سعد بسكونها ، ابن مالك بن سنان ( الخدري ) الصحابي ابن الصحابي ( وعن أبي هريرة ) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر ، قولان مرجحان ، قال [ ص: 403 ] أبو عمر : ذكر أبي هريرة لا يوجد في غير رواية عبد المجيد ، وإنما المحفوظ عن أبي سعيد كما رواه قتادة عن ابن المسيب عنه ، ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ، وعقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد اهـ ، وهي زيادة من ثقة غير منافية ، فليست بشاذة كما ادعاه بقوله المحفوظ ; إذ يقابله الشاذ ، ولذا لم يلتفت الشيخان لذلك ورويا الحديث . ومن اقتصر على أبي سعيد فقد قصر فلا يقضى به على من ذكرهما ، وكأن أبا عمر استشعر هذا بعد ذلك فقال في الاستذكار : الحديث محفوظ عن أبي سعيد وأبي هريرة ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا ) هو سواد ، بخفة الواو ، ابن غزية بمعجمتين ، بوزن عطية ، كما سماه الدراوردي عن عبد المجيد عند أبي عوانة والدارقطني ( على خيبر ) أي جعله أميرا عليها ( فجاء بتمر جنيب ) بجيم مفتوحة ونون مكسورة وتحتية ساكنة فموحدة ، نوع من أعلى التمر ، قيل الكبيس ، وقيل الطيب ، وقيل الصلب ، وقيل الذي خرج منه حشفه ورد به ، وقيل الذي لا يخلط بغيره .

( فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أكل تمر خيبر هكذا ؟ فقال : لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا ) الجنيب ( بالصاعين ) من الجمع ، كما زاده سليمان بن بلال عن عبد الحميد عند الشيخين ( والصاعين ) من الجنيب ( بالثلاثة ) من الجمع ، وفي رواية : بالثلاث بدون تاء ، وهما جائزان لأن الصاع يذكر ويؤنث . ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تفعل بع الجمع ) بفتح فسكون ، التمر الرديء المجموع من أنواع مختلفة ( بالدراهم ثم ابتع ) اشتر ( بالدراهم ) تمرا ( جنيبا ) ليكون صفقتين ، فلا يدخله الربا ، فليس هذا حيلة في بيع الربوي بجنسه متفاضلا ؛ لأنه حرام بل توصل إلى تحصيل تملكه . وفي رواية سليمان بن بلال فقال : " لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل ، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان " . قال ابن عبد البر : كل من روى عن عبد المجيد هذا الحديث ذكر آخره ، وكذلك الميزان سوى مالك ، وهو أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه ، وأجمعوا على أن التمر بالتمر لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل سواء الطيب والدون ، وأنه كله على اختلاف أنواعه واحد ، وأما سكوت من سكت من الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع ، وقد ورد الفسخ من طريق أخرى عند مسلم ، فقال : هذا الربا فرده ، ويحتمل تعدد القصة وأن التي لم يقع فيها الرد كانت قبل تحريم ربا الفضل اهـ . واحتج بالحديث من أجاز بيع الطعام من رجل بنقد ويبتاع منه بذلك النقد طعاما قبل الافتراق وبعده ; لأنه لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من [ ص: 404 ] غيره ، وبه قال الحنفي والشافعي ، ومنعه المالكية وأجابوا بأن الحديث مطلق لا يشمل ما ذكر ، فإذا عمل به في صورة سقط الاحتجاج به فيما عداها بإجماع الأصوليين ، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل وابتع ممن اشترى الجمع ، بل خرج الكلام غير متعرض لعين البائع من هو فلا يدل على المدعي . وقال ابن عبد البر : بيع التمر الجمع بالدراهم وشراء الجنيب بها من رجل واحد في وقت واحد يدخله ما يدخل الصرف في بيع الذهب بدراهم ويشتري بها ذهبا من رجل واحد في وقت ، والمراعى في ذلك كلمة واحدة ، فمالك يكره ذلك على أصله ، وكل من قال بالذرائع كذلك وغيره يراعي السلامة في ذلك لا يفسخ بيعا قد انعقد إلا بيقين وقصد اهـ . وذكر بعضهم أن الشافعية استدلوا به على جواز الحيلة في بيع الربوي بجنسه متفاضلا بأن يبيعه من صاحبه بدراهم ، أو عرض ويشتري منه بالدراهم ، أو يقرض كل منهما صاحبه ويبريه ، أو يتواهبا ، أو يهب الفاضل مالكه لصاحبه بعد شرائه منه ما عداه بما يساويه ، فكل هذا جائز إذا لم يشترط في بيعه وإقراضه وهبته ما يفعله الآخر ، نعم هي مكروهة إذا نويا ذلك ; لأن كل شرط أفسد التصريح به العقد يكره إذا نواه كما لو تزوج بشرط أن يطلق لم ينعقد ، فإن قصد ذلك كره ، ثم هذه الطرق ليست حيلا في بيع الربوي بجنسه متفاضلا لأنه حرام ، بل حيل في تمليكه لتحصيل ذلك ففي التعبير بذلك تسامح اهـ ، ورواه البخاري هنا عن قتيبة ، وفي الوكالة عن عبد الله بن يوسف ، وفي المغازي عن إسماعيل ، ومسلم عن يحيى ، كلهم عن مالك به ، وتابعه سليمان بن بلال عند الشيخين .

التالي السابق


الخدمات العلمية