صفحة جزء
باب القضاء في المرفق

حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضرر ولا ضرار
26 - باب القضاء في المرفق

بفتح الميم وكسر الفاء وبفتحها وكسر الميم ، ما ارتفق به ، وبهما قرئ : ( ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ) ( سورة الكهف : الآية 16 ) ومنه مرفق الإنسان .

1461 1424 - ( مالك ، عن عمرو ) بفتح العين ( بن يحيى المازني ) بكسر الزاي ، من بني مازن بن النجار الأنصاري الثقة المتوفى بعد الثلاثين ومائة ( عن أبيه ) يحيى بن عمارة بن أبي حسن ، واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري المدني التابعي الثقة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ضرر ) خبر بمعنى النهي ، أي لا يضر الإنسان أخاه فينقصه شيئا من حقه ( ولا ضرار ) بكسر أوله " فعال " ، أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو ، فالضرر فعل واحد ، والضرار فعل اثنين ، فالأول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا ، والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة ، أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل . قال ابن عبد البر : قيل هما بمعنى واحد للتأكيد ، وقيل : هما بمعنى القتل والقتال ، أي لا يضره ابتداء ولا يضاره إن ضره وليصبر ، فهي مفاعلة وإن انتصر فلا يعتدي كما قال صلى الله عليه وسلم : " ولا تخن من خانك " . يريد بأكثر من انتصافك منه ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) ( سورة الشورى : الآية 43 ) وقال ابن حبيب : الضرر عند أهل العربية الاسم ، والضرار الفعل ، أي لا تدخل على أحد ضرارا بحال . وقال الخشني : الضرر الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة ، والضرار ما ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة ، وهذا وجه حسن في الحديث ، وهو لفظ عام ينصرف في أكثر الأمور ، والفقهاء ينزعون به في أشياء مختلفة . وقال الباجي : اختار ابن حبيب أنهما لفظان بمعنى واحد للتأكيد ، ويحتمل أن يريد لا ضرر على أحد ، أي لا يلزمه الصبر عليه ولا يجوز له إضراره بغيره ، وليس استيفاء الحقوق في القصاص وغيره من هذا الباب; لأن ذلك استيفاء لحق أو ردع عن استدامة ظلم ، فما أحدثه الرجل بعرصته مما [ ص: 67 ] يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن لخبز أو سبك ذهب أو فضة أو عمل حديد أو رحى فلهم منعه ، قاله مالك في المجموعة اهـ .

وفيه إشارة إلى أن في الحديث حذفا ، أي لا لحوق أو إلحاق ، أو لا فعل ضررا وضرارا بأحد ، أي لا يجوز شرعا إلا لموجب خاص ، فقيد النفي بالشرعي لأنه بحكم القدر لا ينتفى ، وخص منه ما ورد لحوقه بأهله كحد وعقوبة جان وذبح مأكول ، فإنها ضرر ولاحق بأهله وهي مشروعة إجماعا ، وفيه تحريم جميع أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم ، ثم لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما في التمهيد . ورواه الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري موصولا بزيادة : " ومن ضار أضر الله به ، ومن شاق شاق الله عليه " . أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر والحاكم ، ورواه أحمد برجال ثقات ، وابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت ، وأخرجه ابن أبي شيبة وغيره من وجه آخر أقوى منه . وقال النووي : حديث حسن وله طرق يقوي بعضها بعضا . وقال العلائي : له شواهد وطرق يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحة . وذكر أبو الفتوح الطائي في الأربعين له أن الفقه يدور على خمسة أحاديث هذا أحدها ، ومن شواهده حديث : " ملعون من ضار أخاه المسلم أو ماكره " . أخرجه ابن عبد البر عن الصديق مرفوعا وضعف إسناده ، وقال : لكنه مما يخاف عقوبة ما جاء فيه . قال : وروى عبد الرزاق عن معمر عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا : " لا ضرر ولا ضرار ، وللرجل أن يغرز خشبة في جدار أخيه " . وجابر ضعيف اهـ ، أي فلا يعتبر بزيادته في هذا الحديث : وللرجل . . . إلخ ، فالزيادة إنما تقبل من الثقة إن لم يخالف من هو أوثق منه كما تقرر ، ثم الإنكار إنما هو ورودها في حديث : لا ضرر ولا ضرار ; إذ هو حديث آخر مستقل عن أبي هريرة وهو التالي .

التالي السابق


الخدمات العلمية