صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن
150 147 ( مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد ) بتحتية وزاي ( الليثي ) المدني نزيل الشام من ثقات التابعين ورجال الجميع ، مات سنة خمس أو سبع ومائة وقد جاوز الثمانين ، ولأبي عوانة من رواية ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره ( عن أبي سعيد ) سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري ( الخدري ) له ولأبيه صحبة واستصغر بأحد ، ثم شهد ما بعدها روى الكثير ومات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين وقيل سنة أربع وسبعين .

( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا سمعتم النداء ) أي الأذان سمي به لأنه نداء إلى الصلاة ودعاء إليها .

( فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) ادعى ابن وضاح أن قوله : المؤذن مدرج ، وأن الحديث انتهى بقوله ما يقول ، وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى ، وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها ، ولم يصب صاحب العمدة في حذفها وظاهره اختصاص الإجابة بمن سمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا يشرع له المتابعة قاله النووي في شرح المهذب ، وقال " مثل ما يقول " ولم يقل " مثل ما قال " ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها قاله الكرماني ، والصريح في ذلك ما رواه النسائي عن أم حبيبة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول مثل ما يقول المؤذن حتى يسكت .

وقال أبو الفتح اليعمري : ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن ، لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة يشير إلى حديث عمر في مسلم وغيره ، وظاهره أيضا أنه يقول مثله في جميع الكلمات ، لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية في البخاري وغيره دلا على أنه يستثنى من ذلك حي على الصلاة وحي على الفلاح فيقول بدلهما لا حول ولا قوة إلا بالله وهو المشهور عند الجمهور .

وقال ابن المنذر : يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا .

وحكي عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما فلم لا يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة ؟ وهو وجه عند الحنابلة .

وأجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها ، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة وذلك يحصل من المؤذن ، فعوض السامع عما فاته من ثوابها بثواب الحوقلة ، ولقائل أن يقول : يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر ، ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن نفسه .

قيل : وفي الحديث دليل [ ص: 265 ] على أن لفظ " مثل " لا يقتضي المساواة من كل جهة لأنه لا يطلب برفع الصوت المطلوب من المؤذن وفيه بحث لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته ، والفرق أن المؤذن قصده الإعلام فاحتاج لرفع الصوت ، والسامع مقصوده ذكر الله فيكفي السر أو الجهر لا مع رفع الصوت ، نعم لا يكفي إجراؤه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول ، وفيه جواز إجابة المؤذن في الصلاة عملا بظاهر الأمر ولأن المجيب لا يقصد المخاطبة ، واستدل به على وجوب إجابة المؤذن ، حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية والظاهرية وابن وهب ، واستدل الجمهور لحديث مسلم وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - سمع مؤذنا فلما كبر قال على الفطرة ، فلما تشهد قال خرج من النار ، فلما قال - صلى الله عليه وسلم - غير ما قال المؤذن علم أن الأمر للاستحباب ، وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أنه قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد ، وبأنه يحتمل أن ذلك وقع قبل صدور الأمر ، وأن يكون لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك انتهى .

والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ، قال الحافظ : واختلف عن الزهري في إسناده وعلى مالك أيضا لكنه اختلاف لا يقدح في صحته ، فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه .

وقال أبو حاتم وأحمد بن صالح والترمذي وأبو داود : حديث مالك ومن تابعه أصح .

ورواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده وقال : إنه خطأ والصواب الرواية الأولى ، وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية