صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا
151 148 - ( مالك عن سمي ) بضم السين المهملة ، بلفظ التصغير ، ( مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ) بن الحارث بن هشام ( عن أبي صالح ) ذكوان ( السمان ) لأنه كان يتجر في السمن والزيت فلذا قيل له الزيات أيضا ( عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو يعلم الناس ) وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم قاله الطيبي ( ما في النداء ) أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج ( والصف الأول ) زاد أبو الشيخ من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الخير والبركة ، وقال الطيبي : أطلق مفعول يعلم وهو ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف والإطلاق إنما هو في قدر الفضيلة ، وإلا فقد ميزت في رواية بالخير والبركة .

قال الباجي : اختلف في [ ص: 266 ] الصف الأول هل هو الذي يلي الإمام أو المبكر السابق إلى المسجد ؟ قال القرطبي : والصحيح أنه الذي يلي الإمام قالا : فإن كان بين الإمام والناس حائل كما أحدث الناس المقاصير فالصف الأول هو الذي يلي المقصورة .

وقال ابن عبد البر : لا أعلم خلافا أن من بكر وانتظر الصلاة وإن لم يصل في الصف الأول أفضل ممن تأخر وصلى في الصف الأول ، وفي هذا ما يوضح معنى الصف الأول ، وأنه ورد من أجل البكور إليه والتقدم .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه فما كان من نقص فليكن في المؤخر " ( ثم لم يجدوا ) شيئا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي ، أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك .

وأما في الصف فبأن يصلوا دفعة واحدة ويتساووا في الفضل .

( إلا أن يستهموا ) أي يقترعوا ( عليه ) أي على ما ذكر من الأمرين ليشمل الأذان والصف .

وقال ابن عبد البر : الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء وهو وجه الكلام ; لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور ولا يعدل عنه إلا بدليل ، ونازعه القرطبي وقال : يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له ، قال : والضمير يعود على معنى الكلام المتقدم ومثله قوله تعالى : ومن يفعل ذلك يلق أثاما ( سورة الفرقان : الآية 68 ) أي جميع ما ذكر ، قال الحافظ : وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ : لاستهموا عليهما فهذا مفصح بالمراد من غير تكلف .

( لاستهموا ) اقترعوا ومنه قوله تعالى : فساهم فكان من المدحضين ( سورة الصافات : الآية 141 ) قال الخطابي وغيره : قيل له استهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في شيء فمن خرج اسمه غلب ، واستدل به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن واحد وليس بظاهر لصحة استهام أكثر من واحد ، ولأن الاستهام على الأذان متوجه من جهة التولية من قبل الإمام لما فيه من المزية ، وزعم بعضهم أن المراد بالاستهام هنا الترامي بالسهام وأنه خرج مخرج المبالغة واستأنس بحديث : " لتجالدوا عليه بالسيوف " لكن فهم البخاري أن المراد اقترعوا أولى لرواية مسلم لكانت قرعة .

وقد روى سيف بن عمر في كتاب الفتوح والطبراني عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق وهو أبو وائل قال : افتتحنا القادسية صدر النهار فتراجعنا وقد أصيب المؤذن فتشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص فأقرع بينهم فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن ، والقادسية مكان معروف بالعراق نسب إلى قادس رجل نزل به .

وحكى الجوهري أن إبراهيم الخليل قدس على ذلك المكان فلذا صار منزلا للحاج وكان بها وقعة مشهورة للمسلمين مع الفرس في خلافة عمر سنة خمس عشرة وكان سعد يومئذ الأمير على الناس .

( ولو يعلمون ما في التهجير ) أي التبكير إلى الصلوات أي صلاة كانت قاله الهروي وغيره ، قال ابن عبد البر : التهجير معروف وهو البدار إلى الصلاة أول وقتها وقبله [ ص: 267 ] وانتظارها قال تعالى فاستبقوا الخيرات ( سورة البقرة : الآية 148 ) وقال - صلى الله عليه وسلم - : " منتظر الصلاة في صلاة ما انتظرها " وحسبك بهذا فضلا .

وسمى - صلى الله عليه وسلم - انتظار الصلاة بعد الصلاة رباطا ، وجاء رباط يوم خير من صوم شهر انتهى .

وحمله خليل والباجي وغيرهما على ظاهره فقالوا : المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت لأن التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر ، وإلى ذلك مال البخاري ، قال الحافظ : ولا يرد على ذلك مشروعية الأمر بالإبراد لأنه أريد به الرفق وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ما له من الفضل .

( لاستبقوا إليه ) أي التهجير ، قال ابن أبي جمرة : المراد الاستباق معنى لا حسا لأن المسابقة على الإقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه ، انتهى .

( ولو يعلمون ما في العتمة ) أي العشاء وثبت النهي عن تسميتها عتمة فهذا الحديث بيان للجواز ، وأن النهي ليس للتحريم ، أو استعمل العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل العشاء في المغرب ، فلو قال ما في العشاء لحملوها على المغرب ففسد المعنى وفات المطلوب فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما ، قاله النووي ( والصبح ) أي ثواب صلاتهما في جماعة ( لأتوهما ولو حبوا ) بفتح المهملة وسكون الموحدة أي مشيا على اليدين والركبتين أو على مقعدته .

ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء : " ولو حبوا على المرافق والركب " قال الباجي : خص هاتين الصلاتين بذلك لأن السعي إليهما أشق من غيرهما لما فيه من تنقيص أول النوم وآخره .

وقال ابن عبد البر : الآثار فيهما كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر " وقال أبو الدرداء في مرض موته : اسمعوا وبلغوا ، حافظوا على هاتين الصلاتين يعني في جماعة العشاء والصبح ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على مرافقكم وركبكم .

وكذلك قال عمر وعثمان وروي مرفوعا : " شهود صلاة العشاء خير من قيام نصف ليلة ، وشهود صلاة الصبح خير من قيام ليلة " وقال عمر والحسن : لأن أشهد صلاة العشاء والفجر أحب إلي من أن أحيي ما بينهما .

وقال ابن عمر كنا : إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء وصلاة الفجر أسأنا به الظن انتهى .

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .

التالي السابق


الخدمات العلمية