صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحدود باب ما جاء في الرجم

حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم ثم قرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فقال عبد الله بن عمر فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة قال مالك يعني يحني يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه
[ ص: 217 ] بسم الله الرحمن الرحيم

41 - كتاب الحدود

جمع حد ، وهو الحاجز بين الشيئين يمنع اختلاط أحدهما بالآخر ، سمي بذلك الحدود الشرعية لكونه مانعا لمتعاطيه عن معاودة مثله ولغيره أن يسلك مسلكه .

1 - باب ما جاء في الرجم

1551 1491 - ( مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه قال : جاءت اليهود ) من خيبر ، وذكر ابن العربي عن الطبري عن المفسرين منهم : كعب بن الأشرف ، وكعب بن الأسعد ، وسعيد بن عمرو ، ومالك بن الصيف ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وشاس بن قيس ، ويوسف بن عازوراء ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في ذي القعدة سنة أربع ( فذكروا له أن رجلا منهم ) لم يعرف الحافظ اسمه ، وفتحت أن لسدها مسد المفعول ( وامرأة ) اسمها بسرة ، بضم الموحدة وسكون المهملة ، كما ذكره ابن العربي في أحكام القرآن ( زنيا ) و " منهم " صفة " رجلا " وصفة " امرأة " محذوفة ، أي منهم لدلالة السابق عليه ، ويجوز أن يتعلق " منهم " بحال من ضمير من رجل وامرأة في " زنيا " ، والتقدير أن رجلا وامرأة زنيا في حالة كونهما من اليهود . وذكر أبو داود سبب مجيئهم من طريق الزهري : سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ، وكان عند سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة قال : " زنا رجل من اليهود بامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله ، وقلنا فتيا نبي من أنبيائك ، قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا : يا [ ص: 218 ] أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ ( فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة ) " ما " مبتدأ من أسماء الاستفهام و " تجدون " جملة في محل الخبر ، والمبتدأ والخبر معمول للقول والتقدير : أي شيء تجدونه في التوراة ؟ فيتعلق حرف الجر بمفعول ثان لوجد ( في شأن الرجم ) أي في حكمه ، وهذا السؤال ليس لتقليدهم ولا معرفة الحكم منهم ، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم الموافق لحكم الإسلام ; إقامة للحجة عليهم وإظهارا لما كتبوه وبدلوه من حكم التوراة ، فأرادوا تعطيل نصها ففضحهم الله ، وذلك إما بوحي من الله تعالى إليه أنه موجود في التوراة لم يغير ، وإما بإخبار من أسلم منهم كعبد الله بن سلام ( فقالوا : نفضحهم ) بفتح النون والضاد المعجمة بينهما فاء ساكنة ، من الفضيحة ، أي نكشف مساويهم ونبينها للناس ( ويجلدون ) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيا للمفعول ، أي نجد أن نفضحهم ويجلدون ، فهو معمول على الحكاية لـ " نجد " المقدر ، أي زعموا أن ذلك في التوراة وهم كاذبون ، ويحتمل أن يكون ذلك مما فسروا به التوراة ، يكون مقطوعا عن الجواب ، أي الحكم عندنا أن نفضحهم ويجلدون ، فيكون خبر مبتدأ محذوف بتقدير أن ، وإنما بني أحد الفعلين للفاعل والآخر للمفعول إشارة إلى أن الفضيحة موكولة إليهم وإلى اجتهادهم بكشف مساويهم . وفي رواية أيوب عن نافع عند البخاري ، فقالوا : نسخم وجوههما ونخزيهما . وفي رواية عبيد الله عن نافع قالوا : نسود وجوههما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما .

( فقال عبد الله بن سلام ) بخفة اللام ، الإسرائيلي الحبر ، من ذرية يوسف بن يعقوب ، حليف الخزرج ، له أحاديث وفضل وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ، مات سنة ثلاث وأربعين ( كذبتم إن فيها الرجم ) على الزاني المحصن . وفي رواية للشيخين : فقال عبد الله بن سلام : ادعهم يا رسول الله بالتوراة ، فأتى بها . وفي رواية أيوب قال ، أي النبي صلى الله عليه وسلم : فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( فأتوا ) بفتح الهمزة والفوقية ( بالتوراة فنشروها ) أي فتحوها وبسطوها ، زاد في رواية أيوب : فقالوا لرجل ممن يرضون : يا أعور اقرأ ( فوضع أحدهم ) هو عبد الله بن صورياء اليهودي الأعور ( يده على آية الرجم ثم قرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ) عنها ( فرفع يده ، فإذا فيها آية الرجم ) وفي رواية للشيخين : فإذا آية الرجم تحت يده ، و " بينها " في حديث أبي هريرة ، ولفظه : المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة [ ص: 219 ] رجما ، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها ، رواه أبو داود وعنده من حديث جابر : إنا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما . زاد البزار من هذا الوجه : فإن وجدوا الرجل مع المرأة في بيت أو في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة وفيها عقوبة .

( فقالوا : صدق يا محمد فيها آية الرجم ) زاد في رواية أيوب : ولكننا نكاتمه بيننا . وفي رواية البزار قال : قال - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - : فما منعكم أن ترجموهما ؟ قالوا : ذهب سلطاننا فكرهنا القتل . زاد في حديث البراء : نجد الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم . ولأبي داود عن جابر : " فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل المرود في المكحلة " ( فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ) زاد في رواية للشيخين عند البلاط ، وهو مكان بين السوق والمسجد النبوي ( فقال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يحني ) بفتح الياء وإسكان المهملة وكسر النون ، قال ابن عبد البر : كذا رواه أكثر شيوخنا عن يحيى ، وقال بعضهم عنه بالجيم والصواب فيه عند أهل العلم " يجنأ " بالجيم والهمزة ، أي يميل ( على المرأة ) والرؤيا بصرية " فيحني " في موضع الحال و " على المرأة " متعلق بها ( يقيها الحجارة ) أي حجارة الرمي ، فأل عهدية والجملة بدل من " يحني " أو حال أخرى . ( مالك : معنى يحني يكب ) بضم الياء وكسر الكاف ، أي يميل ( عليها حتى تقع الحجارة عليه ) دونها من حبه لها . قال ابن الأثير في حرف الجيم : يقال : أجنى يجني إجناء ، وجنا على الشيء يجنو إذا أكب عليه ، وقيل هو مهموز ، وقيل الأصل فيه الهمزة من : جنأ إذا مال عليه وعطف ثم خفف وهو لغة في الجنأ ، ولو روي بالحاء المهملة بمعنى عليه لكان أشبه ، وقال في حرف الحاء : قال الخطابي : الذي جاء في السنن يجني بالجيم والمحفوظ بالحاء ، أي يكب عليها يقال : حنا يحنو حنوا ، ومر أن أبا عمر صوب رواية الجيم والهمزة ، وقال ابن دقيق العيد : إنه الراجح في الرواية ، وظاهر الحديث أن الإسلام ليس شرطا في الإحصان ، وبه قال الشافعي وأحمد ، وقال المالكية وأكثر الحنفية أنه شرط فلا يرجم كافر ، وأجابوا عن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة تنفيذا للحكم عليهم بما في كتابهم ، وليس هو من حكم الإسلام في شيء ، وهو فعل وقع في واقعة حال عينية محتملة لا دلالة فيها على العموم في [ ص: 220 ] كل كافر ، وأخرجه البخاري في المحاربين عن إسماعيل ، وقبله في علامات النبوة عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم في الحدود من طريق ابن وهب ، كلهم عن مالك به ، وتابعه أيوب ، وعبيد الله وغيرهما عن نافع ، وتابعه عبد الله بن دينار عن ابن عمر بنحوه في الصحيحين وغيرهما وله طرق عندهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية