صفحة جزء
حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر وهو أفقههما أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي في أن أتكلم قال تكلم فقال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبرني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأخبروني أنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها قال مالك والعسيف الأجير
1556 1496 - ( مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله ) بضم العين ( ابن عبد الله ) بفتحها ( ابن عتبة ) بضمها وإسكان الفوقية ابن مسعود ( عن أبي هريرة ) عمرو بن عامر أو عبد الرحمن بن صخر قولان مرجحان من نحو ثلاثين قولا في اسمه واسم أبيه ( وزيد بن خالد الجهني ) بضم الجيم وفتح الهاء ( أنهما أخبراه أن رجلين ) لم يعرف الحافظ اسمهما ( اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله اقض ) احكم ( بيننا بكتاب الله ) وفي رواية للشيخين : " فقام رجل من الأعراب فقال : أنشدك الله ألا قضيت بيننا بكتاب الله " ( وقال الآخر ) بفتح الخاء ( وهو أفقههما ) قال الحافظ زين الدين العراقي : يحتمل أن الراوي كان عارفا بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول مطلقا ، ويحتمل في هذه القصة الخاصة لحسن أدبه في استئذانه أولا ، وترك رفع صوته إن كان الأول رفعه ( أجل ) بفتح الهمزة والجيم وخفة اللام أي نعم ( يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله ) إنما سألا ذلك وهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليحكم بينهما بالحكم الصرف لا بالتصالح والترغيب فيما هو الأرفق بهما ، أو أمرهما بالصلح إذ للحاكم أن يفعل ذلك ( وأذن لي ) في ( أن أتكلم قال : تكلم ، فقال : إن ابني ) لم يعرف الحافظ اسمه ( كان عسيفا ) بفتح العين وكسر السين المهملتين وإسكان التحتية وبالفاء أي أجيرا ( على هذا ) أي عنده أو على بمعنى اللام ( فزنى بامرأته ) لم يعرف الحافظ اسمها ( فأخبرني ) بالإفراد قال أبو عمر : هكذا رواه [ ص: 227 ] يحيى وابن القاسم وهو الصواب ، وللقعنبي : فأخبروني أي بالجمع ، وفي رواية عمرو بن شعيب : فسألت من لا يعلم فأخبرني ( أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ) متعلق بافتديت ، ومن للبدل نحو أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، أي افتديت بمائة شاة بدل الرجم ( وبجارية لي ) وفي رواية وجارية بلا موحدة ( ثم إني سألت أهل العلم ) قال الحافظ : لم أقف على أسمائهم ، ولا على عددهم ( فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام ) بالإضافة فيهما لأنه بكر ( وأخبروني أنما الرجم على امرأته ) لأنها محصنة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ) بالتخفيف ( والذي نفسي بيده ) أقسم تأكيدا ( لأقضين بينكما بكتاب الله ) أي القرآن على ظاهره ، المنسوخ لفظه الثابت حكمه ، ويدل له قول عمر الآتي : الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها ، وقد أجمعوا على أن من القرآن ما نسخ حكمه وثبت خطه ، وعكسه في القياس مثله ، أو إشارة إلى قوله تعالى : أو يجعل الله لهن سبيلا ( سورة النساء الآية 15 ) وفسر النبي السبيل برجم المحصن رواه مسلم ، أو المعنى بحكم الله وقضائه كقوله تعالى : كتاب الله عليكم ( سورة النساء الآية 80 ) أي حكمه فيكم وقضاؤه عليكم ، وما قضى به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو حكم الله وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى من يطع الرسول فقد أطاع الله ( سورة النساء : الآية 80 ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( سورة الحشر : الآية 7 ) فلما أمر باتباعه وطاعته جاز أن يقال لكل حكم حكم به : حكم الله وقضاؤه ، إذ ليس في القرآن أن من زنى وافتدى يرد فداؤه ، ولا أن عليه نفي سنة مع الجلد ولا أن على الثيب الرجم ، وقد أقسم أن يقضي بينهما بكتاب الله وهو صادق وقال : ( أما غنمك وجاريتك فرد عليك ) أي مردود من إطلاق المصدر على المفعول ، نحو : نسج اليمن أي منسوجه ; ولذا كان بلفظ واحد للجمع والواحد ( وجلد ابنه مائة ) أي أمر من يجلده فجلده ( وغربه عاما ) عن وطنه ، وهذا يتضمن أن ابنه كان بكرا ، وأنه اعترف بالزنى ، فإن إقرار الأب عليه لا يقبل ، وقرينة اعترافه حضوره مع أبيه ، كما في رواية أخرى أن ابني هذا ، وسكوته على ما نسبه إليه .

وفي النسائي عن عمرو بن شعيب ، عن الزهري : كان ابني أجيرا لامرأة هذا ، وابني لم يحصن فصرح بأنه بكر ، وفيه تغريب البكر الزاني خلافا لقول أبي حنيفة لا يغرب ; لأنه زيادة على النص ، والزيادة عليه [ ص: 228 ] بخبر الواحد نسخ فلا يجوز ، وأجيب بأن الزيادة ليست بنسخ إذ حكم النص باق وهو الجلد والتغريب بالسنة .

( وأمر أنيسا ) بضم الهمزة مصغر ( الأسلمي ) جزم ابن حبان وابن عبد البر بأنه أنيس بن الضحاك ، وفيه نظر ، والظاهر في نقدي أنه غيره ، وقال ابن السكن : لا أدري من هو ولم أجد له رواية غير ما ذكر في هذا الحديث ، ويقال : هو أنيس بن الضحاك ، وقال غيره : يقال هو أنيس بن أبي مرثد ، وهو خطأ ; لأنه غنوي وهذا أسلمي ، كذا في الإصابة ، وقال في المقدمة : أنيس هو ابن الضحاك نقله ابن الأثير عن الأكثرين ، ويؤيده قوله في الحديث ( الأسلمي ) ، ووهم ابن التين في قوله أنه أنس بن مالك ، ولكنه صغر انتهى .

فإنه خص الأسلمي قصدا إلى أنه لا يؤمر في القبيلة إلا رجل منهم لنفورهم عن حكم غيرهم ، وكانت المرأة أسلمية .

( أن يأتي امرأة الآخر ) ليعلمها أن الرجل قذفها بابنه فلها عليه حد القذف فتطالبه أو تعفو عنه .

( فإن اعترفت ) بأنه زنى بها ( رجمها فاعترفت فرجمها ) أنيس لأنه حكمه في ذلك ، لكن في رواية الليث عن الزهري فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت ، وهو ظاهر في أن أنيسا إنما كان رسولا ليسمع إقرارها فقط ، وأن تنفيذ الحكم إنما كان منه صلى الله عليه وسلم ، ويشكل كونه اكتفى بشاهد واحد .

وأجيب بأن رواية مالك أولى لما تقرر من ضبطه وخصوصا في حديث الزهري ، فإنه أعرف الناس به ، فالظاهر أن أنيسا كان حاكما ، ولئن سلم أنه رسول فليس في الحديث نص على انفراده بالشهادة ، فيحتمل أن غيره شهد عليها ، وقال القاضي عياض : يحتمل أن ذلك ثبت عنده صلى الله عليه وسلم بشهادة هذين الرجلين ، قال الحافظ : والذي تقبل شهادته من الثلاثة والد العسيف فقط ، وأما العسيف والزوج فلا ، وغفل بعض من تبع عياضا فقال : لا بد من هذا الحمل وإلا لزم الاكتفاء بشاهد واحد في الإقرار بالزنى ولا قائل به ، ويمكن الانفصال عن هذا بأن أنيسا بعث حاكما فاستوفى شروط الحكم ، ثم استأذنه صلى الله عليه وسلم في رجمها فأذن له ، قال المهلب : فيه حجة في جواز إنفاذ الحاكم رجلا واحدا في الإعذار ، وفي أن يتخذ واحدا يثق به يكشف له عن حال الشهود في السر ، كما يجوز له قبول الواحد فيما طريقه الخبر لا الشهادة انتهى .

وفيه أن الصحابة كانوا يفتون في زمنه صلى الله عليه وسلم وفي بلده .

وذكر ابن سعد من حديث سهل بن أبي حثمة أن الذين كانوا يفتون على عهد النبي عمر وعثمان وعلي ، وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت .

وعن ابن عمر كان أبو بكر وعمر يفتيان في زمنه صلى الله عليه وسلم .

وعن حراش الأسلمي : كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في زمنه صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن الحد لا يقبل الفداء ، وهو مجمع عليه في الزنى والسرقة والشرب والحرابة ، واختلف في القذف والصحيح [ ص: 229 ] أنه كغيره ، وإرسال الإمام إلى المرأة ليسألها عما رميت به ، وقد صحح النووي وجوبه ، وهو ظاهر مذهبنا ، واحتج له ببعث أنيس ، لكن تعقب بأنه فعل في واقعة حال لا دلالة فيه على الوجوب لاحتمال أن سبب البعث ما وقع بين زوجها ، وبين والد العسيف من الخصام ، والمصالحة على الحد ، واشتهار القصة حتى صرح والد العسيف بما صرح به ، ولم ينكر عليه زوجها ، فالإرسال إلى هذه يختص بمن كان على مثلها من التهمة القوية بالفجور .

( قال مالك : والعسيف الأجير ) وزنا ومعنى لأنه يعسف الطرق أي يسلكها مترددا في الاشتغال ، والجمع عسفاء بزنة أجراء ، وفيه أن الأولى بالقضاء الخليفة العالم بوجوه القضاء ، وأن المدعي أولى بالقبول ، والطالب أحق بالتقدم بالكلام ، وإن بدأ المطلوب برد هذا الباطل ، وأنه لا يدخل بقبضه في ملكه ولا يصححه له ، وعليه رده ، وأنه لا جلد مع الرجم ، وقاله الجمهور خلافا للظاهرية ، وبعض السلف لحديث مسلم عن عبادة مرفوعا : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " .

وأجيب بأنه منسوخ ; لأنه رجم جماعة ولم يجلدهم ، ورجم أبو بكر وعمر وعثمان ولم يجلدوا ، وما روي عن علي في شراحة الهمدانية : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله ، فمنقطع لا حجة فيه ، كما قال ابن عبد البر وغيره ، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك وتابعه الليث ، وابن أبي ذئب ، وابن عيينة ، وصالح بن كيسان ، وابن جريج ، ويحيى بن سعيد ، وغيرهم في الصحيحين وغيرهما كلهم عن ابن شهاب بنحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية