صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن محمد بن المنكدر وعن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال مالك قال أبو النضر لا يخرجكم إلا فرار منه
1656 1608 - ( مالك عن محمد بن المنكدر ) بن عبد الله التيمي ( وعن سالم بن أبي النضر ) [ ص: 376 ] بضاد معجمة ( مولى عمر بن عبيد الله ) بضم العينين كلاهما ( عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ) مالك القرشي الزهري المدني مات سنة أربع ومائة ( عن أبيه ) قال ابن عبد البر : كذا لأكثر رواة الموطأ ، والقعنبي عن مالك عن محمد بن المنكدر أن عامر بن سعد أخبره أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله . . . . الحديث ، والمعنى واحد لأن ذكر أبيه في رواية الأكثرين لأنه سمعه يسأل أسامة فمن أسقط عن أبيه لم يضره وذكره صحيح ، نعم شذ القعنبي في حذف أبي النضر ، ورواه قوم عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو وهم عندهم ، إنما الحديث لعامر عن أسامة لا عن أبيه سعد انتهى .

، أي : فلم يرد بقوله عن أبيه الرواية بل أراد عن سؤال أبيه لأسامة كما أفصح عن ذلك بقوله : ( أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ) الحب ابن الحب فكان عامر حاضرا سؤال والده سعد لأسامة بقوله : ( ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ) شأن ( الطاعون ) ووقع في السيوطي عن أبي عمر : لا وجه لذكر " عن أبيه " ، إنما الحديث لعامر عن أسامة سمعه منه ولذا لم يقله ابن بكير ومعن وجماعة انتهى ولا يصح .

فالذي في التمهيد ما رأيته ( فقال أسامة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجز ) بالزاي على المعروف ، أي : عذاب ، ووقع لبعض الرواة رجس بالسين المهملة بدل الزاي ، قال الحافظ : والمحفوظ بالزاي والمشهور أن الذي بالسين الخبث أو النجس أو القذر ، ووجهه عياض بأن الرجس يطلق على العقوبة أيضا ، وقد قال الفارابي والجوهري : الرجس العذاب ، ومنه قوله تعالى : ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون [ سورة ص : الآية 28 ] وحكاه الراغب أيضا ( أرسل على طائفة من بني إسرائيل ) لما كثر طغيانهم ( أو على من كان قبلكم ) بالشك من الراوي ، وفي رواية ابن خزيمة بالجزم بلفظ رجس سلط على طائفة من بني إسرائيل والتنصيص عليهم أخص ، فإن كان ذلك المراد فكأنه أشار بذلك إلى ما جاء في قصة بلعام فأخرج الطبري من طريق سليمان التيمي أحد صغار التابعين عن يسار : " أن رجلا كان يقال له بلعام كان مجاب الدعوة وأن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام فأتاه قومه فقالوا : ادع الله عليهم فقال : حتى أؤامر ربي ، فمنع ، فأتوه بهدية فقبلها وسألوه ثانيا فقال : حتى أؤامر ربي فلم يرجع إليه بشيء فقالوا : لو كره لنهاك فدعا عليهم فصار يجري على لسانه ما يدعو به على بني إسرائيل فينقلب على قومه فلاموه على ذلك فقال : سأدلكم على ما فيه هلاكهم أرسلوا النساء في عسكرهم ومروهن لا يمتنعن [ ص: 377 ] من أحد فعسى أن يزنوا فيهلكوا ، فكان فيمن خرج بنت الملك فأرادها بعض الأسباط وأخبرها بمكانه فمكنته من نفسها فوقع في بني إسرائيل الطاعون فمات منهم سبعون ألفا في يوم ، وجاء رجل من بني هارون ومعه الرمح وأيده الله فانتظمهما جميعا " وهذا مرسل جيد وسيار شامي موثق ، وذكر الطبري أيضا هذه القصة عن محمد بن إسحاق عن سالم عن أبي النضر بنحوه وسمى المرأة كشتا بفتح الكاف وسكون المعجمة وفوقية ، والرجل زمري بكسر الزاي وسكون الميم وكسر الراء ، رأس سبط شمعون ، والذي طعنهما فنحاص - بكسر الفاء وسكون النون ثم مهملة فألف فمهملة - ابن هارون ، وقال في آخره : فحسب من هلك من الطاعون سبعون ألفا ، والمقلل يقول عشرون ألفا ، وهذه الطريق تعضد الأولى .

وذكر ابن إسحاق في المبتدأ أن بني إسرائيل لما كثر عصيانهم أوحى الله إلى داود فخيرهم ما بين ثلاث : إما أن أبتليهم بالقحط ، أو العدو شهرين ، أو الطاعون ثلاثة أيام ، فأخبرهم فقالوا : اختر لنا فاختار الطاعون فمات منهم إلى أن زالت الشمس سبعون ألفا ، وقيل : مائة ألف ، فتضرع داود إلى الله تعالى فرفعه .

وورد وقوع الطاعون في غير بني إسرائيل ، فيحتمل أن يكون هو المراد بقوله : أو من كان قبلكم .

فمن ذلك ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : أمر موسى بني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشا ثم يخضب كفه في دمه ثم يضرب به على بابه ففعلوا فسألهم القبط عن ذلك فقالوا : إن الله يبعث عليكم عذابا وإنا ننجو منه بهذه العلامة فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفا ، فقال فرعون ثم ذلك لموسى : ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز [ سورة الأعراف : الآية 134 ] الآية ، فدعا فكشفه عنهم ، وهذا مرسل جيد الإسناد .

وأخرج عبد الرزاق في تفسيره وابن جرير عن الحسن في قوله تعالى : الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت [ سورة البقرة : الآية 243 ] قال فروا من الطاعون فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [ سورة البقرة : الآية 243 ] ليكملوا بقية آجالهم ، فأقدم من وقفنا عليه في المنقول ممن وقع الطاعون به من بني إسرائيل في قصة بلعام ومن غيرهم في قصة فرعون وتكرر بعد ذلك لغيرهم انتهى .

( فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه ) لأنه تهور وإقدام على خطر ، وليكون ذلك أسكن للنفس وأطيب للعيش ، قال أبو عمر : لئلا يقعوا في اللوم المنهي عنه ، فنهوا عن ذلك تأديبا لئلا يلوموا أنفسهم فيما لا لوم فيه لأن الباقي والناهض لا يتجاوز أحد منهم أجله .

( وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ) لأنه فرار من [ ص: 378 ] القدر ولئلا تضيع المرضى بعدم من يتفقدهم ، والموتى بعدم من يجهزهم ، فالأول تأديب وتعليم ، والثاني تفويض وتسليم ، وقيل : هو تعبدي لأن الفرار من المهالك مأمور به ، وقد نهي عن هذا فهو لسر فيه لا يعلم معناه .

( قال مالك ) هذا لفظ رواية محمد بن المنكدر ولا إشكال فيها .

( قال أبو النضر ) في روايته ( لا يخرجكم إلا فرار منه ) قال عياض : وقع لأكثر رواة الموطأ بالرفع وهو بين ، أي : لا يخرجكم الفرار ومجرد قصده لا غير ذلك ; لأن الخروج في الأسفار والحوائج مباح ، فهو مطابق لرواية محمد بن المنكدر : لا تخرجوا فرارا منه ، ورواه بعضهم إلا فرارا بالنصب .

قال ابن عبد البر : جاء بالوجهين ولعل ذلك من مالك ، وأهل العربية يقولون دخول إلا بعد النفي لإيجاب بعض ما نفي قبل من الخروج ، فكأنه نهى عن الخروج إلا للفرار خاصة وهو ضد المقصود ، فالمنهي عنه إنما هو الخروج للفرار خاصة لا لغيره ، وجوز ذلك بعضهم وجعل قوله " إلا " حالا من الاستثناء ، أي : لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا ، أي : للفرار انتهى .

ووقع لبعض رواة الموطأ : لا يخرجكم إلا فرار بأداة التعريف بعدها إفرار بكسر الهمزة وهو وهم ولحن ، هذا كلام عياض في شرح مسلم .

وقال في المشارق ما حاصله : يجوز أن الهمزة للتعدية يقال : أفره كذا من كذا ، ومنه قوله عليه السلام لعدي بن حاتم : " إن كان لا يفرك من هذا إلا ما ترى " فيكون المعنى : لا يخرجكم إفراره إياكم .

وقال في المفهم : هذه الرواية غلط ; لأنه لا يقال أفر وإنما يقال فر ، وقال جماعة من العلماء : إدخال إلا فيه غلط ، وقال بعضهم : هي زائدة وتجوز زيادتها كما تزاد " لا " وهو الأقرب .

وقال الكرماني : الجمع بين قول ابن المنكدر : لا تخرجوا فرارا منه ، وبين قول أبي النضر : لا يخرجكم إلا فرار منه - مشكل ، فإن ظاهره التناقض ، وأجاب بأجوبة : أحدها أن غرض الراوي أن أبا النضر فسر لا تخرجوا بأن المراد منه الحصر يعني الخروج المنهي عنه هو الذي يكون لمجرد الفرار لا لغرض آخر ، فهو تفسير للمعلل المنهي لا للنهي ، قال الحافظ : وهو بعيد لأنه يقتضي أن هذا اللفظ من كلام أبي النضر زاده بعد الخبر ، وأنه موافق لابن المنكدر على رواية اللفظ الأول ، والمتبادر خلاف ذلك .

والجواب الثاني كالأول والزيادة مرفوعة أيضا فيكون روى اللفظين ويكون التفسير مرفوعا أيضا .

الثالث : " إلا " زائدة بشرط أن تثبت زيادتها في كلام العرب انتهى ، وهذا الحديث رواه البخاري في ذكر بني إسرائيل عن عبد العزيز بن عبد الله ومسلم في الطب عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جماعة في مسلم وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية