صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال والله إني لأشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
168 165 - ( مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ) التابعي ابن الصحابي ( أن أبا هريرة كان يصلي لهم ) أي : لأجلهم إماما ، وفي رواية بهم بالباء ( فيكبر كلما خفض ورفع ) تجديدا للعهد في أثناء الصلاة بالتكبير الذي هو شعار النية المأمور بها في أول الصلاة ، مقرونة بالتكبير التي كان من حقها أن تستصحب إلى آخر الصلاة ، قاله الناصر بن المنير .

وظاهر الحديث عمومه في جميع الانتقالات ، لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع ، فإنه يشرع فيه التحميد ، وقد جاء بهذا اللفظ العام أيضا من حديث أبي موسى عند أحمد ، وابن مسعود عند الدارمي ، والطحاوي وابن عمر عند أحمد ، والنسائي وعبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور ، ووائل بن حجر عند ابن حبان ، وجابر عند البزار ، وعمران بن حصين في البخاري ، ومسلم أنه صلى مع علي بالبصرة فقال : ذكرنا هذا [ ص: 298 ] الرجل صلاة كنا نصليها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع .

وروى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال : ذكرنا عن صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما نسيناها ، وإما تركناها عمدا ، وفيه إشارة إلى أن التكبير المذكور كان قد ترك ، ولأحمد عن عمران : أول من ترك التكبير عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته ، وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر .

وللطبري عن أبي هريرة : أول من تركه معاوية .

ولأبي عبيد : أول من تركه زياد ولا ينافي ما قبله ; لأن زيادا تركه بترك معاوية وكأنه تركه بترك عثمان ، وقد حمله جماعة من العلماء على الإخفاء ، لكن حكى الطحاوي أن قوما كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع قال : وكذلك كانت بنو أمية تفعل .

وروى ابن المنذر نحوه عن ابن عمر وأن بعض السلف كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام ، وفرق بعضهم بين الفذ وغيره ، ووجهه بأنه شرع للإيذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه الفذ ، لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل ، والجمهور على سنية ما عدا تكبيرة الإحرام .

وعن أحمد وبعض أهل الظاهر يجب كله .

قال ابن بطال : ترك الإنكار على من تركه يدل على أن السلف لم يتلقوه على أنه ركن من الصلاة .

وقال ابن عبد البر : هذا يدل على أن السلف لم يتلقوه على الوجوب ولا على السنن المؤكدة ، قال : وقد اختلف في تاركه ، فقال ابن القاسم : إن أسقط ثلاث تكبيرات سجد لسهوه وإلا بطلت ، وواحدة أو اثنتين سجد أيضا ، فإن لم يسجد فلا شيء عليه .

وقال عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ : إن سها سجد ، فإن لم يسجد فلا شيء عليه ، وعمدا أساء ، وصلاته صحيحة ، وعلى هذا فقهاء الأمصار من الشافعيين والكوفيين وأهل الحديث والمالكيين إلا من ذهب منهم مذهب ابن القاسم .

( فإذا انصرف ) من الصلاة ( قال والله إني لأشبهكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) في تكبيرات الانتقالات والإتيان بها ، قال الرافعي : هذه الكلمة مع الفعل المأتي به نازلة منزلة حكاية فعله - صلى الله عليه وسلم - ، انتهى .

وقد جاء ذلك عنه صريحا ، ففي الصحيحين من رواية ابن شهاب : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول : " كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يرفع ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ، ثم يقول وهو قائم : ربنا لك الحمد ، ثم يكبر حين يهوي ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يكبر حين يسجد ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يفعل ذلك في الصلاة جميعا حتى يقضيها ، ويكبر حين يقوم من اثنتين بعد الجلوس " وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .

التالي السابق


الخدمات العلمية