صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
1672 1622 - ( مالك عن ابن شهاب عن علي بن أبي طالب ) مرسلا عند جماعة رواة الموطأ فيما علمت إلا خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، فقال : عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن أبيه ، وخالد ضعيف ليس بحجة فيما خولف فيه ، ولابن شهاب فيه إسنادان أحدهما مرسل كما قال مالك والآخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهما من رواية الثقات ، قاله في التمهيد .

وقال السيوطي : وصله الدارقطني من طريق خالد الخراساني وموسى بن داود الضبي كلاهما عن مالك عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه .

قال ابن عبد البر : وخالد وموسى لا بأس بهما انتهى .

ولم أجده في التمهيد إنما فيه ما ذكرته فلعل نسخه اختلفت ، والحديث حسن بل صحيح أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي وابن ماجه من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وأحمد والطبراني في الكبير عن الحسن بن علي ، والحاكم في الكنى عن أبي ذر ، والعسكري والحاكم في تاريخه عن علي بن أبي طالب ، والطبراني في الصغير عن زيد بن ثابت وابن عساكر عن الحارث بن هشام .

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) بفتح أوله من عناه كذا إذا [ ص: 399 ] تعلقت عنايته به وكان من قصده يعني ترك الفضول كله على اختلاف أنواعه .

قال ابن العربي : لأن المرء لا يقدر أن يشتغل باللازم فكيف يتعداه إلى الفاضل ؟ انتهى .

وفي إفهامه أن من قبح إسلام المرء أخذه ما لا يعنيه لأنه ضياع للوقت النفيس الذي لا يمكن تعويض فائته فيما لم يخلق لأجله ، فإن الذي يعنيه الإسلام والإيمان والعمل الصالح وما تعلق بضرورة حياته في معاشه من شبع وروي وستر عورة وعفة فرج ونحو ذلك مما يدفع الضرورة دون مزيد النعم ، وبهذا يسلم من جميع الآفات دنيا وأخرى ، فمن عبد الله على استحضار قربه من ربه أو قرب ربه منه فقد حسن إسلامه ، قال الطيبي : " من " تبعيضية ، ويجوز أنها بيانية ، وآثر التعبير بالإسلام على الإيمان ; لأنه الأعمال الظاهرة ، والفعل والترك إنما يتعاقبان عليها ، وزاد " حسن " إيماء إلى أنه لا يتميز بصورة الأعمال فعلا وتركا إلا إن اتصف بالحسن بأن توفرت شروط مكملاتها فضلا عن المصححات ، وجعل ترك ما لا يعني من الحسن مبالغة ، قال بعضهم ، ومما لا يعني تعلم ما لا يهم من العلوم وترك الأهم منه كمن ترك تعلم العلم الذي فيه صلاح نفسه واشتغل بتعلم ما يصلح به غيره كعلم الجدل ، ويقول في اعتذاره : نيتي نفع الناس ، ولو كان صادقا لبدأ باشتغاله بما يصلح به نفسه وقلبه من إخراج الصفات المذمومة من نحو حسد ورياء وكبر وعجب وترؤس على الأقران وتطاول عليهم ، ونحوها من المهلكات .

قال ابن عبد البر : هذا الحديث من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة وهو مما لم يقله أحد قبله صلى الله عليه وسلم .

لكن روي معناه عن صحف إبراهيم مرفوعا .

ثم أخرج بسنده عن أبي ذر قال : " قلت : يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : كانت أمثالا كلها " الحديث ، وفيه : " وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه " وقيل للقمان الحكيم : ما الذي بلغ بك ما نرى ، أي الفضل ؟ قال : قدر الله وصدق الحديث وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني .

وروى أبو عبيدة عن الحسن : من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه .

وقال أبو داود : أصول السنن في كل فن أربعة أحاديث : هذا ، وحديث " الأعمال بالنيات " ، و " الحلال بين " ، و " ازهد في الدنيا " .

وقال الباجي : قال حمزة الكناني هذا الحديث ثلث الإسلام : والثاني الأعمال بالنيات ، والثالث الحلال بين والحرام بين ، وقال غيره : هو نصف الإسلام ، وقيل : كله .

التالي السابق


الخدمات العلمية