صفحة جزء
باب ما جاء في معى الكافر

حدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل المسلم في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء
6 - باب ما جاء في معى الكافر

1715 1665 - ( مالك عن أبي الزناد ) - بكسر الزاي ، وخفة النون - ( عن الأعرج عن أبي هريرة : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يأكل المسلم في معى واحد ) - بكسر الميم ، مقصور - كما اقتصر عليه شراح الحديث ، إما لأنه الرواية ، أو لأنه أشهر ، وإلا ففيه الفتح والمد ، وجمع المقصور : أمعاء ، كعنب وأعناب ، والممدود أمعية ، كحمار ، وأحمرة وهي المصارين ، وعدي بفي على معنى دفع الأكل فيها ، وجعلها مكانا للمأكول كقوله تعالى : ( إنما يأكلون في بطونهم نارا ) ( سورة النساء : الآية : 10 ) أي ملء بطونهم .

( والكافر يأكل في سبعة أمعاء ) هي عدة أمعاء الإنسان ، ولا ثامن لها كما بين في التشريح .

قال ابن عبد البر : لا سبيل إلى حمله على ظاهره ; لأن المشاهدة تدفعه ، فكم من كافر يكون أقل أكلا وشربا من مسلم وعكسه ، وكم من كافر أسلم ولم يتغير أكله وشربه ، انتهى .

وجملة ما قيل فيه عشرة أوجه : فقيل : ليست حقيقة العدد مرادة ، بل المراد قلة أكل المؤمن ، وكثرة أكل الكافر ، ويؤيده قوله تعالى : ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ) ( سورة محمد : الآية 12 ) ، وتخصيص السبعة للمبالغة في التكثير ، كقوله تعالى : ( والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ) ( سورة لقمان : الآية 27 ) ، والمعنى أن شأن المؤمن التقلل في الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة وعلمه أن قصد الشرع من الأكل سد الجوع والعون على العبادة ، ولخشيته من حساب ما زاد على ذلك ، والكافر بخلاف ذلك .

قال القرطبي : وهذا أرجح .

وقيل : المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشرهه لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة ، والمؤمن يشبعه ملء معى واحد لقلة حرصه وشرهه على الطعام .

وأشار النووي إلى اختياره ، ولا يلزم اطراده في كل مؤمن وكافر ، فإذا وجد مؤمن أو كافر على خلاف هذا الوصف لا يقدح في الحديث ، وقيل : المراد أن المؤمن يسمي الله عند طعامه وشرابه ، فلا يشركه الشيطان ، بخلاف الكافر لا يسمي ، فيأكل معه الشيطان والثلاثة على أن المراد مطلق مسلم وكافر ، وقيل : المراد بالمسلم الإسلام التام ; لأنه من حسن إسلامه كمل إيمانه اشتغل [ ص: 459 ] فكره بالموت وما بعده ، فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكرة ، والخوف على نفسه من استيفاء شهوته ، ويشير إلى ذلك حديث الصحيح : " إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ، ولا يشبع " ، فدل على أن المراد من يقتصد في مطعمه .

وأما الكافر فشأنه الشره ، فيأكل كالبهيمة لا بمصلحة قيام البنية .

وقد رد هذا الخطابي ، وقال : قد ذكر عن غير واحد من السلف الأكل الكثير ، فلم يكن ذلك نقصا في إيمانهم .

وقيل : المراد المسلم يأكل الحلال والكافر الحرام ، والحلال أقل .

وقيل : المراد حض المسلم على قلة الأكل إذا علم أن كثرته من صفات الكافر .

وقال القرطبي : شهوات الطعام سبع : الطبع ، والنفس ، والعين ، والفم ، والأنف ، والأذن ، والجوع ، وهي الضرورية التي يأكل بها المسلم .

وأما الكافر فيأكل بالجميع .

وقال النووي : يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات هي الحرص ، والشره ، وطول الأمل ، والطمع ، والحسد ، وحب السمن ، وسوء الطبع ، وبالواحد في المسلم سد خلته .

وقال ابن العربي : السبعة كناية عن الحواس الخمس ، والشهوة ، والحاجة .

والقول العاشر : أن اللام في الكافر عهدية ، فهو خاص بمعنى كان كافرا فأسلم بدليل الحديث التالي ، ويأتي تفسير الرجل فيه .

وفي البخاري من وجه آخر عن أبي هريرة : " أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا ، فأسلم ، فكان يأكل قليلا ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن المؤمن يأكل في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " ، وبهذا جزم ابن عبد البر قال : لأن المعاينة وهي أصح علوم الحواس تدفع أن يكون ذلك في كل كافر ومؤمن ، ومعروف من كلام العرب الإتيان بلفظ العموم ، والمراد به الخصوص كقوله تعالى : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) ( سورة آل عمران : الآية 173 ) ، فالمراد بالناس رجل واحد .

أخبر الصحابة أن قريشا جمعت لهم ، وجاء اللفظ على العموم ، ومثله كثير لا يجهله إلا من لا عناية له بالعلم ، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك ، ورواه مسلم وغيره ، وطرقه كثيرة في الصحيحين وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية