صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أغلقوا الباب وأوكوا السقاء وأكفئوا الإناء أو خمروا الإناء وأطفئوا المصباح فإن الشيطان لا يفتح غلقا ولا يحل وكاء ولا يكشف إناء وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم
1727 1677 - ( مالك عن أبي الزبير ) محمد بن مسلم بن تدرس ( المكي عن جابر بن عبد الله ) - رضي الله عنهما - ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أغلقوا ) - بفتح الهمزة ، وسكون المعجمة - ( الباب ) حراسة للنفس ، والمال من أهل الفساد ، ولا سيما الشيطان ، وفي الصحيح عن عطاء عن جابر : " أطفئوا المصابيح إذا رقدتم ، وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله ، ( وأوكوا ) - بفتح الهمزة ، وسكون الواو وضم الكاف بلا همز - شدوا واربطوا ، ( السقاء ) - بكسر السين : القربة ، أي شدوا رأسها بالوكاء ، وهو الخيط .

زاد في رواية عطاء : " واذكروا اسم الله " ، أي لمنع الشيطان واحترازا من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة كما روي ، ويقال : إنها في كانون الأول .

( وأكفئوا الإناء ) ، قال عياض : بقطع الألف ، وكسر الفاء رباعي ، وبوصلها ، وضم الفاء ثلاثي ، وهما صحيحان ، أي اقلبوه ، ولا تتركوه للعق الشيطان ، ولحس الهوام وذوات الأقذار .

( أو خمروا ) - بفتح المعجمة ، وكسر الميم الثقيلة - : غطوا

( الإناء ) يحتمل أنه شك من الراوي ، والأظهر أنه لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - أي اكفوه إن كان فارغا ، أو خمروه إن كان فيه شيء قاله الباجي .

ويؤيده أن في بعض طرقه عند البخاري عن جابر : " وخمروا الطعام والشراب " ، وفي الصحيح أيضا عن جابر : " وخمروا آنيتكم ، واذكروا اسم الله ، ولو أن تعرضوا عليها بعود " ، ( وأطفئوا ) - بهمزة قطع ، وسكون المهملة ، وكسر الفاء ، ثم همزة مضمومة - ، ( المصباح ) : السراج ، زاد [ ص: 475 ] في رواية عطاء : " إذا رقدتم " ( فإن الشيطان ) ، وفي رواية من طريق عطاء : " فإن الجن " ، ولا تضاد بينهما إذ لا محذور في انتشار الصنفين ، إذ هما حقيقة واحدة يختلفان بالصفات ، قاله الكرماني ( لا يفتح غلقا ) - بفتح الغين ، واللام - إذا ذكروا اسم الله عليه .

وفي رواية عطاء : " فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ، ( ولا يحل ) - بفتح الياء ، وضم الحاء - ( وكاء ) : خيطا ربط به وذكر اسم الله عليه .

( ولا يكشف إناء ) غطي أو كفئ وذكر اسم الله عليه .

ففي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم : " ولا يكشف إناء فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ، ويذكر اسم الله فليفعل " ، وفي أبي داود : " واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا " ، أي لا يقدر على ذلك ; لأن اسم الله تعالى هو الغلق الحقيقي .

ولأحمد من حديث أبي أمامة : فإنهم ، أي الشياطين لم يؤذن لهم في التسور .

ومقتضاه أنه يتمكن من كل ذلك إذا لم يذكر اسم الله .

قال الحافظ : ويؤيده ما في مسلم والأربعة مرفوعا : " إذا دخل الرجل بيته ، فذكر اسم الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ، ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم " ، قال ابن دقيق العيد : يحتمل أن يوجه قوله : فإن الشيطان لا يفتح ، على عمومه ، ويحتمل أن يخص بما ذكر اسم الله عليه ، ويحتمل أن المنع لأمر متعلق بجسمه ، ويحتمل أنه لمانع من الله بأمر خارج عن جسمه ، قال : والحديث يدل على منع دخول الشيطان الخارج ، فأما الشيطان الذي كان داخلا فلا يدل الخبر على خروجه ، فيكون ذلك لتخفيف المفسدة لا دفعها ، ويحتمل أن التسمية عند الإغلاق تقتضي طرد من في البيت من الشياطين ، وعلى هذا فينبغي أن تكون التسمية من ابتداء الإغلاق إلى تمامه ، واستنبط منه بعضهم مشروعية غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في عموم الأبواب ، انتهى .

( وإن الفويسقة ) - بتصغير التحقير - ( تضرم ) - بضم التاء ، وسكون المعجمة ، وكسر الراء - أي توقد ( على الناس ) ، وفي رواية الليث : على أهل البيت ( بيتهم ) ، وفي رواية زهير عن أبي الزبير " ثيابهم " ، وفي رواية سفيان : والفويسقة تضرم البيت على أهله ، والضرمة بالتحريك النار والضرام لهب النار .

وفي الصحيح عن عطاء عن جابر : " فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة ، فأحرقت أهل البيت " ، وفي أبي داود عن ابن عباس : " جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة ، فجاءت بها فألقتها بين يديه - صلى الله عليه وسلم - على الخمرة التي كان قاعدا عليها ، فاحترق فيها موضع درهم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : إذا نمتم فأطفئوا سرجكم ، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم " ، وروى الطحاوي عن يزيد بن أبي نعيم : " أنه سأل أبا [ ص: 476 ] سعيد الخدري ، لم سميت الفأرة الفويسقة ؟ قال : استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ، وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق عليه البيت ، فقام إليها وقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم " ، ففي هذا بيان سبب الأمر بالإطفاء ، والسبب الحامل للفأرة على جر الفتيلة ، وهو الشيطان فيستعين وهو عدو الإنسان بعدو آخر وهي النار ، والأوامر المذكورة للإرشاد إلى المصلحة الدنيوية والاستحباب خصوصا من ينوي بفعلها الامتثال .

وفي الصحيح مرفوعا : " لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون " ، قال النووي : وهو عام يدخل فيه المصباح وغيره .

وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها ، فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر ، وإن أمن ذلك كما هو الغالب ، فالظاهر أنه لا بأس بها للعلة التي علل بها - صلى الله عليه وسلم - وإذا انتفت العلة زال المانع .

والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ، وتابعه الليث ، وزهير ، وسفيان كلهم عند مسلم عن أبي الزبير بنحوه ، وهو في البخاري ، ومسلم من طرق عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بنحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية