صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ والمرسلات عرفا فقالت له يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب
173 171 - ( مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله ) بضم العين ( ابن عبد الله ) بفتحها ( ابن عتبة ) بضمها بعدها فوقية ( ابن مسعود ) أحد الفقهاء ( عن عبد الله بن عباس ) الحبر الترجمان ( أن ) أمه ( أم الفضل ) اسمها لبابة بضم اللام وتخفيف الموحدتين ( بنت الحارث ) بن حزن ، بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون ، الهلالية ، زوج العباس وأم بنيه الستة النجباء ، وأخت ميمونة أم المؤمنين ، لها صحبة ورواية ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يزورها ويقيل عندها ، ويقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة ، ورد بأنها وإن كانت قديمة الإسلام لكنها سبقتها أم عمار وأم بلال وغيرهما ، قال في الفتح هنا : والصحيح أي في أول من أسلم بعد خديجة فاطمة أخت عمر زوج سعيد بن زيد ، كما في المناقب من حديثه : لقد رأيتني وعمر موثقي ، وأخته على الإسلام ، قال ابن حبان : ماتت بعد العباس في خلافة عثمان .

( سمعته وهو ) [ ص: 304 ] أي عبد الله بن عباس ( يقرأ ) جملة حالية ، وفيه التفات من الحاضر إلى الغائب ؛ لأن القياس سمعتني وأنا أقرأ .

( والمرسلات عرفا ) أي الرياح متتابعة كعرف الفرس يتلو بعضه بعضا ، ونصبه على الحال .

( فقالت له : يا بني ) بضم الموحدة مصغر ( لقد ذكرتني ) بشد الكاف شيئا نسيته ( بقراءتك هذه السورة ) منصوب بقراءة عند البصريين وبذكرتني عند الكوفيين .

( إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب ) زاد البخاري في الوفاة النبوية ، من رواية عقيل عن ابن شهاب الزهري : ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله .

وللبخاري عن عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه في مرض موته كانت الظهر ، والجمع بينهما أن التي حكتها عائشة كانت في المسجد ، والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته ، كما رواه النسائي ، لكن يعكر عليه رواية ابن إسحاق ، عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ : " خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب " الحديث أخرجه الترمذي ، ويمكن حمل قولها خرج إلينا أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم فتلتئم الروايات ، قاله الحافظ .

واستدل بهذين الحديثين على امتداد وقت المغرب ، وعلى جواز القراءة فيها بغير قصار المفصل .

وفي البخاري عن مروان بن الحكم قال : قال لي زيد بن ثابت : ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل ، وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطولى الطوليين ؟ تأنيث أطول ، والطوليين بتحتية تثنية طولى أي بأطول السورتين الطويلتين .

وفي رواية ابن خزيمة ، والله لقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فيها بسورة الأعراف في الركعتين جميعا .

واتفقت الروايات على تفسير الطولى بالأعراف ، وفي تفسير الأخرى بالمائدة والأنعام ويونس روايات المحفوظ منها الأنعام .

وفي حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة : " ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان ، قال سليمان : فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل " أخرجه النسائي وصححه ابن حبان .

وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز ، وإما للعلم بعدم المشقة على المأمومين ، وليس في حديث جبير دليل على أن ذلك تكرر منه .

وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك ؛ لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل ، ولو علم مروان أنه - صلى الله عليه وسلم - واظب على ذلك لاحتج به على زيد ، لكن لم يرد زيد منه المواظبة على القراءة بالطوال ، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات ، لكونه حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف ، وهو يرد على أبي داود ادعاء نسخ التطويل ; لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت عن عروة ، أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار ، قال : وهذا يدل على نسخ [ ص: 305 ] حديث زيد ، ولم يبين وجه الدلالة ، وكأنه لما رأى عروة راوي الحديث عمل بخلافه ، حمله على أنه يتحقق على ناسخه ، ولا يخفى بعد هذا الحمل ، وكيف يصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول : آخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات ، قال ابن خزيمة : هذا من الاختلاف المباح ، فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب ، إلا أنه إذا كان إماما استحب له تخفيف القراءة ، وهذا أولى من قول القرطبي : ما ورد من تطويل القراءة فيما استقر عليه التقصير أو عكسه فهو متروك انتهى .

ونقل الترمذي عن مالك أنه كره القراءة في المغرب بالطور والمرسلات ونحوهما ، وعن الشافعي لا أكره ذلك بل أستحبه غريب ، فالمعروف عند المالكية والشافعية أنه لا كراهة في ذلك ولا استحباب بل هو جائز كما قال ابن عبد البر وغيره ، نعم المستحب تقصيرها للعمل بالمدينة وبغيرها ، قال ابن دقيق العيد : استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب ، والحق عندنا أن ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وثبتت مواظبته عليه فهو مستحب ، وما لم تثبت مواظبته عليه فلا كراهة فيه .

واستدل الخطابي وغيره بالأحاديث على امتداد وقت المغرب إلى الشفق وفيه نظر ; لأن من قال إن لها وقتا واحدا لم يحده بقراءة معينة ، بل قالوا : لا يجوز تأخيرها عن أول غروب ، وله أن يطول القراءة فيها إلى الشفق ، ومنهم من قال ولو غاب الشفق ، وحمله الخطابي على أنه وقع ركعة في أول الوقت ، ويديم الباقي ولو غاب الشفق ولا يخفى ما فيه ; لأن تعمد إخراج الصلاة عن الوقت ممنوع ولو أجزأت فلا يحمل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، وحديث أم الفضل أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .

التالي السابق


الخدمات العلمية