صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن يزيد بن خصيفة عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من مصيبة حتى الشوكة إلا قص بها أو كفر بها من خطاياه لا يدري يزيد أيهما قال عروة
1751 1702 - ( مالك عن يزيد ) - بتحتية فزاي - ( ابن خصيفة ) - بخاء معجمة ، فصاد مهملة - مصغر ، نسبة إلى جده ، وأبوه عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني ثقة من رجال الجميع ، ( عن عروة بن الزبير أنه قال : سمعت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يصيب المؤمن من مصيبة ) أصلها الرمي بالسهم ، ثم استعملت في كل نازلة .

وقال الراغب : " أصاب " يستعمل في الخير والشر ، قال تعالى : ( إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة ) ( سورة التوبة : الآية 50 ) ، الآية .

وقيل : الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب ، وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر ، وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم .

وقال الكرماني : المصيبة لغة : ما ينزل بالإنسان مطلقا ، وعرفا : ما نزل به من مكروه خاصة ، وهو المراد هنا .

وفي رواية مسلم من طريق مالك ويونس جميعا عن الزهري : " ما من مصيبة يصاب بها المسلم " ، ولأحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري : " ما من وجع أو مرض يصيب المؤمن " ، ( حتى الشوكة ) المرة من مصدر " شاكه " بدليل جعلها غاية للمعاني ، وقوله في رواية : يشاكها ، ولو أراد الواحدة من النبات ، لقال : يشاك بها ، قاله البيضاوي .

وقال الحافظ : جوزوا فيه الحركات الثلاث ، فالجر بمعنى الغاية ، أي ينتهي إلى الشوكة ، أو عطفا عن لفظ " مصيبة " ، والنصب بتقدير عامل ، أي حتى وجدانه الشوكة ، والرفع عطفا على الضمير في " يصيب " .

وقال القرطبي : قيده المحققون بالرفع والنصب ، فالرفع على الابتداء ، ولا يجوز على المحل ( إلا قص ) بالقاف والصاد المهملة ، أي أخذ ( بها ) ، وأصل القص : الأخذ ، ومنه القصاص ، أخذ حق المقتص له ، وفي رواية : " نقص " وهما متقاربا المعنى ، قاله عياض .

( أو كفر بها من خطاياه ، لا يدري يزيد ) بن خصيفة ( أيهما ) ، أي اللفظين : قص أو كفر ، ( قال عروة ) وفي رواية لأحمد : " إلا كان كفارة لذنبه " ، أي لكون ذلك عقوبة بسبب ما كان صدر منه من المعصية ، ولكون ذلك سببا لمغفرة ذنبه .

وفي رواية لمسلم : " إلا رفعه الله بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة " ، قال الحافظ : وهذا يقتضي حصول الأمرين معا : حصول الثواب ، ورفع العقاب ، [ ص: 514 ] وشاهده ما للطبراني الأوسط من وجه آخر عن عائشة بلفظ : " ما ضرب على مؤمن عرق قط ، إلا حط الله عنه به خطيئة ، وكتب له حسنة ، ورفع له درجة " ، وسنده جيد .

وما في مسلم من طريق عمرة عنها : " إلا كتب له بها حسنة ، أو حط عنه بها خطيئة " ، فيحتمل أن يكون " أو " شكا من الراوي ، ويحتمل التنويع وهو أوجه ، ويكون المعنى : إلا كتب الله بها حسنة إن لم يكن عليه خطايا ، أو حط عنه إن كانت له خطايا ، وعلى هذا فمقتضى الأول أن من ليست عليه خطيئة يزاد في رفع درجته بقدر ذلك ، والفضل واسع .

وفي هذا الحديث تعقب على قول العز بن عبد السلام : ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور ، وهو خطأ صريح ، فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب ، والمصائب ليست منها ، بل الأجر على الصبر والرضا ، ووجه التعقب أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة ، وأما الصبر والرضا ، فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة .

قال الشهاب القرافي : المصائب كفارات جزما ، سواء اقترن بها الرضا ، أم لا ، لكن إن اقترن الرضا عظم التكفير وإلا فلا ، كذا قال ، والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك ، فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه .

وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب : جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك ; لأن الشارع قد جعلها كفارة ، فسؤال التكفير طلب لحصول الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع ، وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسؤال الوسيلة له .

وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء ، وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر على ذلك .

ولهذا الحديث سبب أخرجه أحمد ، وصححه أبو عوانة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدري : " أن عائشة أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي ، فقالت له عائشة : لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه ، فقال : إن الصالحين يشدد عليهم ، وأنه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة " ، الحديث ، انتهى ، ملخصا .

وهذا الحديث رواه مسلم في الأدب من طريق ابن وهب ، والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به ، وله طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية