صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث قالت فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها
1755 1706 - ( مالك عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى ) أي مرض ، والشكاية : المرض ، ( يقرأ على نفسه بالمعوذات ) - بكسر الواو - الإخلاص معوذة تغليبا ، ولما اشتملت عليه من صفة الله تعالى .

وفي رواية ابن عبد البر من طريق عيسى بن يونس ، عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : " كان إذا اشتكى قرأ على نفسه ب ( قل هو الله أحد ) ، والمعوذتين " ، وكذا في رواية ابن خزيمة ، وابن حبان ، ولذا قال الحافظ : المعتمد أنه تغليب لأن أقل الجمع اثنان ، أو باعتبار أن المراد الكلمات التي يتعوذ بها من السورتين .

( وينفث ) - بكسر الفاء ، وضمها بعدها مثلثة - أي يخرج الريح من فمه في يده مع شيء من ريقه ويمسح جسده .

قال بعض الشراح : وقال السيوطي : هو شبه البزاق بلا ريق ، أي يجمع يديه ، ويقرأ فيهما ، وينفث ، ثم يمسح بهما على موضع الألم .

وقال الحافظ : أي يتفل بلا ريق ، أو مع ريق خفيف ، أي يقرأ ماسحا لجسده عند قراءتها .

قال معمر : قلت للزهري : كيف ينفث ؟ قال : ينفث على يده ، ثم يمسح بها وجهه ، رواه البخاري ، قال عياض : وفائدة النفث بتلك الرطوبة ، أو الهواء الذي مسه الذكر ، كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر ، وفيه تفاؤل بزوال الألم وانفصاله كانفصال ذلك النفث ، وخص المعوذات لما فيها من الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا .

ففي الإخلاص كمال التوحيد .

وفي الاستعاذة من شر ما خلق ما يعم الأشباح والأرواح ، فابتدأ بالعام في قوله : من شر ما خلق ، ثم ثنى بالعطف في قوله : " ومن شر غاسق " ; لأن انبثاث الشر فيه أكثر ، والتجوز منه أصعب ، ووصف المستعاذ به في الثالثة بالرب ، ثم بالملك ، ثم بالإله ، وأضافها إلى الناس ، وكرره ، وخص المستعاذ منه بالوسواس المعني به الموسوس من الجنة والناس ، فكأنه قيل : كما قال الزمخشري : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم ، وهو إلههم ومعبودهم ، كما [ ص: 518 ] يستغيث بعض الموالي إذا عثر بهم خطب بسيدهم ، ومخدومهم ، ووالي أمرهم .

( قالت ) عائشة : ( فلما اشتد وجعه ) في مرضه الذي توفي فيه ، ( كنت أنا أقرأ عليه ) المعوذات ، ( وأمسح عليه ) ، قال أبو عمر : كذا ليحيى ، وقال غيره : وأمسح عنه ( بيمينه ) على جسده ( رجاء بركتها ) ، ولمسلم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : " فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه ، وأمسح بيد نفسه ، لأنها كانت أعظم بركة من يدي " .

وللبخاري عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة : " فذهبت أعوذه ، فرفع رأسه إلى السماء ، وقال : في الرفيق الأعلى " ، وللطبراني عن أبي موسى : " فأفاق وهي تمسح صدره ، وتدعو بالشفاء ، فقال : لا ، ولكن أسأل الله الرفيق الأعلى هذا " ، وللبخاري عن الفضل بن فضالة عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة : " كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما ، ثم يقرأ : ( قل هو الله أحد ) ، و ( قل أعوذ برب الفلق ) ، و ( قل أعوذ برب الناس ) ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ، ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات " ، وهذه مغايرة لرواية مالك ، وإن اتحد إسنادهما ، فالذي يترجح كما قال الحافظ أنهما حديثان عن ابن شهاب بسند واحد ، قال أبو عمر : فيه إثبات الرقى ، والرد على منكره من أهل الإسلام ، والرقى بالقرآن ، وفي معناه كل ذكر ، وإباحة النفث فيه ، والمسح باليد عند الرقية ، وفي معناه مسحها على كل ما يرجى بركته وشفاؤه وخيره كالمسح على رأس اليتيم ، والتبرك بآثار الصالحين قياسا على فعل عائشة ، والتبرك باليمنى دون الشمال ، وتفضيلها عليها ، وفي ذلك معنى الفأل ، انتهى .

وأخرجه البخاري في فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى ، كلاهما عن مالك به ، وتابعه معمر عند البخاري في الطب ، ويونس عنده في الوفاة النبوية ، وكذا عند مسلم ، وكذا تابعه زياد في مسلم أيضا قائلا : كلهم ، وعن ابن شهاب بإسناد مالك نحو حديثه ، وليس في حديث أحد منهم " رجاء بركتها " إلا في حديث مالك ، وفي حديث يونس ، وزيادة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ، ومسح عنه بيده " .

التالي السابق


الخدمات العلمية