صفحة جزء
باب ما جاء في المملوك وهبته

حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين
1839 1792 17 - باب ما جاء في المملوك وهبته

- ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ) - رضي الله عنهما - ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : العبد ) ، أي : الرقيق ( إذا نصح لسيده ) بزيادة اللام للمبالغة ، قاله الطيبي ، أي : قام بمصالحه على وجه الخلوص ، وامتثل أمره ، وتجنب نهيه .

وفي الصحيح من حديث أبي موسى : " العبد الذي يحسن عبادة ربه ، ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة ، له أجران " ، قال الكرماني : النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له ، وهو إرادة صلاح حاله ، وتخليصه من الخلل ، وتصفيته من الغش .

( وأحسن عبادة الله ) المتوجهة عليه بأن أقامها بشروطها ، وواجباتها ، وما يمكنه من مندوباتها بأن لم يفوت حق سيده ، ( فله أجره مرتين ) لقيامه بالحقين ، وانكساره بالرق ، قال الكرماني : وليس الأجران متساويين ؛ لأن طاعة الله أوجب من طاعة المخلوق ، ورده الولي العراقي بأن طاعة المخلوق هنا من طاعة الله ، انتهى .

ويشير إليه قول الباجي : أي : له أجر أجر عاملين ؛ لأنه عامل بطاعة الله ، وعامل بطاعة سيده ، وهو مأمور بذلك .

وقال ابن عبد البر : معنى الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه واجبان [ ص: 630 ] طاعة ربه في العبادة ، وطاعة سيده في المعروف ، فقام بهما جميعا كان له ضعفا أجر المطيع بطاعته ؛ لأنه ساواه في طاعة الله ، وفضل عليه بطاعة من أمر الله بطاعته .

قال : ومن هنا أقول : إن من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه ، كمن وجبت عليه صلاة وزكاة ، فقام بهما ، فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط ، وبمقتضاه أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئا ، كان عصيانه أكبر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها ، انتهى ، ملخصا .

قال الحافظ : والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفتين ، لما يدخل عليه من مشقة الرق ، وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العبد لم يختص العبد بذلك .

وقال ابن التين : المراد أن كل عمل يعمله يضاعف له ، وقيل : سبب التضعيف أنه ازداد لسيده نصحا ، وفي عبادة الله إحسانا ، فكان له أجر الواجبين ، وأجر الزيادة عليهما ، قال : والظاهر خلاف هذا وأنه بين ذلك ، لئلا يظن ظان أنه غير مأجور على العبودية ، وما ادعى أنه الظاهر لا ينافي ما نقله قبله ، فإن قيل : يلزم أن أجر المماليك ضعف أجر السادات ، أجاب الكرماني : بأنه لا محذور في ذلك ، أو يكون أجره مضاعفا من هذه الجهة ، وقد يكون للسيد جهات أخر يستحق بها أضعاف أجر العبد ، أو المراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما ، قال الحافظ : ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر مختصا بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله ، وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا ، ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين .

وأما العمل المختلف الجهة ، فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار ، واستدل به على أن العبد لا جهاد عليه ، ولا حج في حال العبودية ، وإن صح ذلك منه ، وفيه إطلاق السيد على غير الله نحو الحديث الآخر : " قوموا إلى سيدكم " ، وحديث : " سيدكم عمرو بن الجموح " ، وفي أبي داود ، والنسائي النهي عن إطلاق السيد على المخلوقين ، وجمع بينهما بحمله على غير المالك ، والإذن عليه ، وقد كان بعض العلماء يأخذ بهذا ، ويكره أن يخاطبه أحد ، أو يكتب لفظ سيد ، ويتأكد إذا كان المخاطب غير تقي ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تقولوا للمنافق سيد " ، رواه أبو داود وغيره ، ورواه البخاري عن القعنبي ، ومسلم في الأيمان والنذور عن يحيى ، كلاهما عن مالك به ، وقد وردت أحاديث كثيرة في من يؤتى أجره مرتين جمع منها الحافظ السيوطي سبعا وثلاثين نظمها في قوله :


وجمع أتى فيما رويناه أنهم يثنى لهم أجر حووه محققا     فأزواج خير الخلق أولهم ومن
على زوجها أو للقريب تصدقا     وقار بجهد واجتهاد أصاب والـ
وضوء اثنتين والكتابي صدقا     وعبد أتى حق الإله وسيد وعابر
يسر مع غني له تقى [ ص: 631 ]     ومن أمة يشري فأدب محسنا
وينكحها من بعده حين أعتقا     ومن سن خيرا أو أعاد صلاته
كذاك جبان إذ يجاهد ذا شقا     كذاك شهيد في البحار ومن أتى
له القتل من أهل الكتاب فألحقا     وطالب علم مدرك ثم مسبغ
وضوءا لدى البرد الشديد محققا     ومستمع في خطبة قد دنا ومن
بتأخير صف أو لمسلم وقا     وحافظ عصر مع إمام مؤذن
ومن كان في وقت الفساد موفقا     وعامل خير مخفيا ثم إن بدا يرى
فرحا مستبشرا بالذي ارتقى     ومغتسل في جمعة عن جنابة
ومن فيه حقا قد غدا متصدقا     وماش يصلي جمعة ثم من أتى
بذا اليوم خيرا ما فضعفه مطلقا     ومن حتفه قد جاء من سلاحه
ونازع نعل إن لخير تسبقا     وماش لدى تشييع ميت وغاسل
بدا بعدا كل والمجاهد حققا     ومتبع ميتا حياء من اهله
ومستمع القرآن فيما روى الثقا     وفي مصحف يقرا وقاريه معربا
بتفهيم معناه الشريف محققا

وذيله بعضهم بثلاثة :


إمام مطيع يا لها من سعادة     وحجة حاج من عمان فألحقا
ومن أمة تشترى أو يشرط لها     فلا هبة لا بيع لا مهر مطلقا
وهي حرة إن مت صلى إلهنا     على المصطفى المبعوث بالحق والتقا

التالي السابق


الخدمات العلمية