صفحة جزء
وحدثني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ألا ترى أنه يقال صدق وبر وكذب وفجر


[ ص: 649 ] 1859 1812 - ( مالك أنه بلغه : أن عبد الله بن مسعود كان يقول ) ، وصله البخاري ، ومسلم من طريق الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( عليكم بالصدق ) ، أي الزموه ، وداوموا عليه ، أي القول الحق ، وهو ضد الكذب ، وقد يستعمل في أفعال الجوارح نحو صدق فلان في القتال ، إذا أوفاه حقه ، ( فإن الصدق يهدي ) - بفتح أوله - أي يوصل صاحبه ( إلى البر ) ، أي إلى العمل الصالح الخالص ، والبر اسم جامع للخير ، وقيل اكتساب الحسنات .

( والبر يهدي ) - بفتح أوله - يوصل صاحبه ( إلى الجنة ) ، يعني أن الصدق الذي هو بر يدعو إلى ما يكون برا مثله ، وذلك يدعو إلى دخول الجنة ، فهو سبب لدخولها ، ومصداقه : ( إن الأبرار لفي نعيم ) ( سورة الانفطار : الآية 13 ) ، قال ابن العربي : بين - صلى الله عليه وسلم - أن الصدق هو الأصل الذي يهدي إلى البر كله ; لأن الإنسان إذا تحراه لم يعص أبدا ; لأنه إذا أراد أن يسرق ، أو يزني ، أو يؤذي أحدا خاف أن يقال له زنيت أو سرقت ، فإن سكت جر الريبة إليه ، وإن قال : لا ، كذب ، وإن قال : نعم ، فسق ، وسقطت منزلته ، وذهبت حرمته .

زاد في رواية الصحيحين : وما يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صادقا .

( وإياكم والكذب ) ، أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع ، ( فإن الكذب يهدي إلى الفجور ) ، أي يوصل إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي ، وهو اسم جامع لكل شر .

( والفجور يهدي إلى النار ) ، أي يوصل إلى ما يكون سببا لدخولها ، وذلك داع لدخولها ، زاد في رواية الصحيحين : " ولا يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " ، ( ألا ترى أنه يقال صدق وبر وكذب وفجر ) استظهار ; لأن الصدق يهدي إلى البر ، والكذب يهدي إلى الفجور ، ولم يقع هذا في المرفوع عند الشيخين ، فهو موقوف على ابن مسعود ; لأن الإمام ذكره موقوفا ، وفيه الحث على تحري الصدق ، والاعتناء به ، وهو أشد الأشياء نفعا ، ولذا علت رتبته على رتبة الإيمان ; لأنه إيمان وزيادة : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( سورة التوبة : الآية 119 ) ، وفيه تحذير من الكذب والتساهل فيه ، وهو أشد الأشياء ضررا ، فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه ، وعرف به ، فلا يعتمد نطقه ، ولا ينتفع به ، فينسلخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق إلى البهيمية ، فيصير هو والبهيمة سواء ، بل هو شر منها ، لأنها وإن لم ينفع نطقها ، لا يضر ، والكاذب يضر ولا ينفع .

التالي السابق


الخدمات العلمية