صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه


196 194 - ( مالك عن سمي ) بضم المهملة وفتح الميم وشد التحتية ( مولى أبي بكر ) بن عبد الرحمن بن الحارث ( عن أبي صالح ) ذكوان ( السمان عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا ) أيها المؤمنون ( آمين ) فيه حجة ظاهرة على أن الإمام لا يؤمن ، وهو الحامل على صرف قوله : إذا أمن عن ظاهره ; لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا ، والأمر للندب عند الجمهور .

وحكى ابن بزيزة عن بعض العلماء وجوبه على الأمر قال : وأوجبه الظاهرية على كل مصل ، ورد بحديث المسيء صلاته حيث اقتصر له - صلى الله عليه وسلم - على الفرائض ولم يذكر له التأمين ولا غيره ، فدل على أنه استحباب ، واستدل به القرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للإمام أي لاختصاص التأمين بها ، ومقتضى السياق أن قراءتها كانت أمرا معلوما عندهم ، وعلى أن المأموم ليس عليه أن يقرأ فيما جهر فيه إمامه ، وقد اتفقوا على أنه لا يقرؤها حال قراءة الإمام لها ، وقال ابن عبد البر : فيه دليل على أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام إذا جهر لا بأم القرآن ولا غيرها ، لأن القراءة بها لو كانت عليهم لأمرهم إذا فرغوا من الفاتحة أن يؤمن كل واحد بعد فراغه من قراءته ، لأن السنة فيمن قرأ بأم القرآن أنه يؤمن عند فراغه منها ، ومعلوم أن المأمومين إذا اشتغلوا بالقراءة خلف الإمام لم يسمعوا فراغه من قراءة الفاتحة ، فكيف يؤمرون بالتأمين عند قوله ولا الضالين ، ويؤمرون بالاشتغال عن سماع ذلك ؟ هذا لا يصح ، وقد أجمع العلماء على أنه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه بغير الفاتحة ، والقياس أن الفاتحة وغيرها سواء ؛ لأن عليهم إذا فرغ إمامهم منها أن يؤمنوا ، فوجب أن لا يشتغلوا بغير الاستماع اهـ .

( فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) من الصغائر والكبائر على ظاهره ، [ ص: 331 ] لكن ثبت أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر ، فإذا كانت الفرائض لا تكفرها فأولى التأمين المستحب ، وأجيب بأن المكفر ليس التأمين الذي هو فعل المؤمن ، بل وفاق الملائكة وليس ذلك إلى صنعه بل فضل من الله وعلامة على سعادة الموافق ، قاله التاج السبكي في الأشباه والنظائر ، ولا يرد عليه أنه عليه السلام عين محل إيقاع التأمين فيكون فائدته الموافقة ؛ لأنه لم يجزم بأنه موافق الملائكة بل أمر به فإن وافق غفر وذلك ليس من فعله ، والحق أنه عام خص منه ما يتعلق بحقوق الناس ، فلا يغفر بالتأمين للأدلة فيه ، لكنه شامل للكبائر كما تقدم إلا أن يدعي خروجها بدليل آخر ، وفيه فضل التأمين .

قال ابن المنير : وأي فضل أعظم من كونه قولا يسيرا لا كلفة فيه ، ثم قد ركبت عليه المغفرة ، قال ابن عبد البر : وفيه أن أعمال البر تغفر بها الذنوب كقوله تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات ( سورة هود : الآية 114 ) وقال الباجي : تقدم حديث أن المتوضئ يخرج نقيا من الذنوب ، وأن مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة ، فما الذي يغفر بقول آمين ؟ قال الداودي : يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث قبل قوله في الوضوء ، ويحتمل أنه قاله بعده ، فيكون معناه أنه يغفر له ما يحدث له في ممشاه من الذنوب ، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسلمة عن مالك به ، ومسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به فهي متابعة لمالك في شيخه .

التالي السابق


الخدمات العلمية