صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتشهد فيقول بسم الله التحيات لله الصلوات لله الزاكيات لله السلام على النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين شهدت أن لا إله إلا الله شهدت أن محمدا رسول الله يقول هذا في الركعتين الأوليين ويدعو إذا قضى تشهده بما بدا له فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك أيضا إلا أنه يقدم التشهد ثم يدعو بما بدا له فإذا قضى تشهده وأراد أن يسلم قال السلام على النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم عن يمينه ثم يرد على الإمام فإن سلم عليه أحد عن يساره رد عليه
[ ص: 340 ] 205 203 - ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتشهد فيقول باسم الله ) في أوله كذا وقع موقوفا عليه ، ووردت أيضا في حديث أبيه عمر من رواية هشام بن عروة عند سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما ، وعورض برواية مالك عن الزهري حديث عمر وليست فيه ، وفي حديث جابر المرفوع عند النسائي وابن ماجه والترمذي في العلل بلفظ : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن باسم الله وبالله التحيات إلى آخره " ، وصححه الحاكم ، لكن ضعفه الحفاظ البخاري والترمذي والنسائي والبيهقي وغيرهم ، وقالوا : إن راويه أخطأ فيه ، ويدل على ذلك أنه ثبت في حديث أبي موسى مرفوعا : " فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله التحيات لله " رواه عبد الرزاق وغيره ، وقد أنكر ابن مسعود وابن عباس وغيرهما على من زادها ، أخرجه البيهقي وغيره ، وبالجملة لم تصح رواية البسملة كما قاله الحافظ ، ولذا قال في المدونة : لم يعرف مالك في أوله باسم الله أي في حديث صحيح مرفوع ، فلا ينافي أنه قد رواه هنا عن ابن عمر موقوفا ( التحيات لله الصلوات لله ) لا يجوز أن يقصد بها غيره ، أو هو عبارة عن قصد إخلاصنا له ، ( الزاكيات لله ) وفي حديث ابن عباس المباركات بدل الزاكيات ، وهو مناسب لقوله تعالى : تحية من عند الله مباركة طيبة ( سورة النور : الآية 61 ) ، ( والسلام على النبي ) كذا وقع بإسقاط كاف الخطاب ، ولفظ أيها قال في فتح الباري ، وورد في بعض طرق حديث ابن مسعود ما يقتضي المغايرة بين زمانه - صلى الله عليه وسلم - ، فيقال : بلفظ الخطاب وبعده فبلفظ الغيبة ، فروى البخاري في الاستئذان من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق الحديث التشهد قال : وهو بين ظهرانينا ، فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي ، ورواه أبو عوانة والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة من طريق أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ : فلما قبض قلنا السلام على النبي بحذف لفظ يعني ، وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم ، وهذا صحيح بلا ريب ، وقد وجدت له متابعا قويا ، قال ابن عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي السلام عليك أيها النبي ، فلما مات قالوا : السلام على النبي ، وهذا إسناد صحيح وما رواه سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمهم التشهد فذكره قال : فقال ابن عباس إنما كنا نقول : السلام عليك أيها النبي إذا كان حيا ، فقال ابن مسعود هكذا علمنا وهكذا نعلم ، فظاهره أن ابن عباس قاله بحثا ، وأن ابن مسعود لم [ ص: 341 ] يرجع إليه ، لكن رواية أبي معمر أصح ؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ، والإسناد إليه مع ذلك ضعيف اهـ .

( ورحمة الله ) أي إحسانه ( وبركاته ) أي زيادة من كل خير ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) استنبط منه السبكي أن في الصلاة حقا للعباد مع حق الله ، وأن من تركها أخل بحق جميع المسلمين من مضى ، ومن يجيء إلى يوم القيامة ؛ لقوله : السلام علينا . . . إلخ ، وفي فتاوى القفال تركها يضر بجميع المسلمين ؛ لأن المصلي يقول ذلك في التشهد ، فيكون التارك مقصرا في رحمة الله وفي حق نفسه ، وفي حق كافة الناس ؛ ولذا عظمت المعصية بتركها ، ( شهدت أن لا إله إلا الله ، شهدت أن محمدا رسول الله ) هذا مخالف للمروي في الأحاديث الصحيحة بلفظ أشهد في الموضعين ، وهو الذي عليه المعول والعمل ( يقول هذا ) ابن عمر ( في ) التشهد الواقع بعد ( الركعتين الأوليين ويدعو ) ابن عمر ( إذا قضى تشهده ) المذكور ( بما بدا له ) وأجازه مالك في رواية ابن نافع ، والمذهب رواية علي وغيره عنه كراهة الدعاء في التشهد الأول ؛ لأن المطلوب تقصيره ، ( فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك أيضا إلا أنه يقدم التشهد ثم يدعو بما بدا له ) من أمر الدنيا والآخرة لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود بعد التشهد : " ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به " وخالف في ذلك طاوس والنخعي وأبو حنيفة فقالوا : لا يدعو في الصلاة إلا بما في القرآن ، كذا أطلق ابن بطال وجماعة عن أبي حنيفة ، والموجود في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما في القرآن أو ثبت في الحديث أو كان مأثورا ، أعم من أن يكون مرفوعا أو غير مرفوع ، لكن ظاهر الحديث يرد عليهم ، وكذا يرد على قول ابن سيرين لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة ، واستثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا ، فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل ، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز ، ذكره الحافظ ، ( فإذا قضى تشهده وأراد أن يسلم قال : السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) وهذه زيادة تكرير في التشهد ، كأن ابن عمر اختاره ليختمه بالسلام على النبي والصالحين ؛ لأنه فصل بين التشهد والسلام بالدعاء ، وروى علي عن مالك استحباب ذلك ، قال الباجي : ولا يثبت ( السلام عليكم عن يمينه ) تسليمة التحليل [ ص: 342 ] ( ثم يرد على الإمام فإن سلم عليه أحد عن يساره ) بأن كان مصليا مع الإمام ( رد عليه ) ولعل مالكا ذكر حديث ابن عمر هذا الموقوف عليه لما فيه من أن المأموم يسلم ثلاثا ، إن كان على يساره أحد لأنه المشهور من قول مالك ، وقال الأئمة الثلاثة وغيرهم : على كل مصل تسليمتان عن يمينه وشماله ، ولو مأموما وإلا فمالك لا يقول بما في خبر ابن عمر هذا من البسملة في أوله وإبداله أشهد بشهدت ، والدعاء في التشهد الأول وإعادة السلام على النبي والصالحين بعد الدعاء ، وقبل السلام ، ولا إبدال عليك أيها النبي بالسلام على النبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية