صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له وقال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله وقال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا
295 292 [ ص: 469 ] ( مالك عن سمي ) بضم السين المهملة وفتح الميم ( مولى أبي بكر ) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني ( عن أبي صالح ) ذكوان السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما ) بالميم وأصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفا وزيدت الميم ، ظرف زمان مضاف إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر وهو هنا ( رجل ) النكرة المخصصة بالصفة وهي ( يمشي بطريق ) أي فيها ( إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره ) نحاه عن الطريق ( فشكر الله له ) قال الحافظ : أي رضي فعله وقبل منه ( فغفر له ) ، وقال الباجي : يحتمل أن يريد جازاه على ذلك بالمغفرة أو أثنى عليه ثناء اقتضى المغفرة له ، أو أمر المؤمنين بشكره والثناء عليه بجميل فعله ، قال : ومعنى تعلق نزع الشوك من الطريق بالترجمة أنه غفر له مع نزارة هذا الفعل فكيف بإتيان العشاء والصبح ، وتعسفه لا يخفى ، وعلى تقدير تمشيته في هذا فكيف يصنع بالحديث بعده ؟ تبعه ابن المنير في هذا التوجيه واعترف بعدم مناسبة الثاني ، فإنما أدى الإمام هذه الأحاديث على الوجه الذي سمعه وليس غرضه منه إلا الحديث الأخير وهو : " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " ، قال ابن العربي : ترى الجهال يعبثون في تأويلها ولا تعلق للأول والثاني منها بالباب أصلا .

وقال ابن عبد البر : وفي الحديث أن ذلك من أعمال البر وأنها توجب الغفران ، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يحتقر شيئا من أعمال البر فربما غفر له بأقلها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " ، وقال تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( سورة الزلزلة : الآية 7 ) ، وقال الشاعر :

ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركا لأقله



( وقال ) صلى الله عليه وسلم بالإسناد المذكور ( الشهداء خمسة ) بينها بقوله : ( المطعون ) الميت بالطاعون وهو غدة كغدة البعير يخرج في الآباط والمراق .

( والمبطون ) الميت بمرض البطن أو الاستسقاء أو الإسهال .

( والغرق ) بفتح المعجمة وكسر الراء وقاف ، الميت بالغرق .

( وصاحب الهدم ) بفتح فسكون الميت تحته .

( والشهيد ) الذي قتل ( في سبيل الله ) فكأنه قال المقتول فعبر عنه بالشهيد .

ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك ثم المصنف فيما يأتي [ ص: 470 ] الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله ، فلا يلزم منه حمل الشيء على نفسه ، فكأنه قيل الشهيد هو الشهيد لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ ، والمعدود بعده بيان له .

وأجيب أيضا بأنه من باب قوله : أنا أبو النجم وشعري شعري ، وبأن الشهيد مكرر في كل واحد منها ، فيكون من التفصيل بعد الإجمال وتقديره : الشهيد المطعون والشهيد كذا إلى آخره ، ثم الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم بزيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك فلا تنافي بين سبعة وخمسة ولا بين ما ورد من نحو عشرين خصلة شهادة بطرق جيدة وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ثلاثين ، وسيكون لنا إن شاء الله تعالى عودة لذكرها في الجنائز .

( وقال ) أيضا صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء ) أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك ثم السراج ( والصف الأول ) من الخير والبركة كما لأبي الشيخ من رواية الأعرج عن أبي هريرة ( ثم لم يجدوا ) شيئا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي ( إلا أن يستهموا ) أي يقترعوا ( عليه لاستهموا ) أي اقترعوا ، وفي رواية عبد الرزاق عن مالك : لاستهموا عليهما ، فضمير عليه في هذه الرواية عائد على ما ذكر من الأذان والصف .

( ولو يعلمون ما في التهجير ) البدار إلى الصلاة أول وقتها وقبله وانتظارها ( لاستبقوا إليه ) استباقا معنويا لا حسيا لاقتضائه سرعة المشي وهو ممنوع .

( ولو يعلمون ما في العتمة ) أي العشاء ( والصبح ) أي ثواب صلاتهما في جماعة ( لأتوهما ولو حبوا ) على المرافق والركب كما في حديث أبي الدرداء ثم ابن أبي شيبة .

قال ابن عبد البر : هذه ثلاثة أحاديث في واحد ، أحدها : نزع الغصن ، والثاني : الشهداء ، والثالث : لو يعلم الناس إلى آخر الحديث ، هكذا يرويها جماعة رواة الموطأ لا يختلفون في ذلك عن مالك ، وكذلك هي محفوظة عن أبي هريرة ، وكذا رواه ابن وضاح عن يحيى ، وسقط الثالث من رواية ابنه عبد الله عنه هنا وهو ثابت عنده في باب النداء انتهى .

والصواب إثبات الثالث هنا حتى يكون في الأحاديث واحد مطابق للترجمة فساقها الإمام كما سمعها ، وإن كان غرضه منها واحدا وهو الأخير ، واللذان قبله ليسا بمقصودين ، وكأن ابن يحيى لما رأى الثالث تقدم ظن أن ذكره تكرار محض فأسقطه وما درى عدم مطابقة ما ذكره للترجمة ، ولا شك في تقديم رواية ابن وضاح لأنه حافظ ووافقه جميع رواة مالك عليه فإن لم يكن بالحافظ ، وقد أخرجه البخاري عن قتيبة بن سعيد عن مالك به بتمامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية