صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جهيم يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي فقال أبو جهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه قال أبو النضر لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة
365 363 - ( مالك عن أبي النضر ) بضاد معجمة سالم بن أبي أمية ( مولى عمر بن عبيد الله ) بضم العينين ( عن بسر ) بضم الموحدة وسكون المهملة ( ابن سعيد ) بكسر العين ( أن زيد بن خالد الجهني ) بضم الجيم وفتح الهاء الأنصاري الصحابي ( أرسله ) أي بسر ( إلى أبي جهيم ) بالتصغير ابن الحارث بن الصمة بكسر المهملة وشد الميم ابن عمرو الأنصاري ، قيل : اسمه عبد الله وقد ينسب إلى جده ، وقيل : هو عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة ، وقيل : هو آخر غيره صحابي معروف وهو ابن أخت أبي بن كعب بقي إلى خلافة معاوية .

( يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي ) أي أمامه بالقرب منه ، قال الحافظ : هكذا روى مالك هذا الحديث في الموطأ لم يختلف عليه فيه أن المرسل هو زيد وأن المرسل إليه هو أبو جهيم ، وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضرة ثم مسلم وابن ماجه وغيرهما ، وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر فقال عن بسر : أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله فذكر الحديث ، قال ابن عبد البر : هكذا رواه ابن عيينة مقلوبا أخرجه ابن أبي خيثمة عن أبيه عن ابن عيينة ، ثم قال ابن أبي خيثمة : سئل عنه يحيى بن معين فقال : هو خطأ إنما هو أرسلني زيد إلى أبي جهيم كما قال مالك ، وتعقب ذلك ابن القطان فقال : ليس خطأ ابن عيينة فيه بمتعين لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسرا إلى زيد وبعثه زيد إلى أبي جهيم يستثبت كل واحد منهما ما عند الآخر ، قلت : تعليل الأئمة للأحاديث مبني [ ص: 536 ] على غلبة الظن ، فإذا قالوا : أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر بل وهو راجح فيعتمد ، ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذ وهو ما يخالف الثقة فيه من هو أرجح منه في حد الصحيح .

( فقال أبو جهيم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو يعلم المار بين يدي المصلي ) أي أمامه بالقرب منه وعبر باليدين لكون أكثر الشغل بهما ، وفي تحديد ذلك بما إذا مر بينه وبين مقدار سجوده أو ثلاثة أذرع أو قدر رمية بحجر أقوال ، ولأبي العباس السراج من طريق الضحاك بن عثمان عن أبي النضر لو يعلم المار بين يدي المصلي والمصلى فحمله بعضهم على ما إذا قصر المصلي في دفع المار أو صلى في الشارع ، ويحتمل أن قوله والمصلى بفتح اللام أي بين يدي المصلي من داخل سترته وهذا أظهر ، ( ماذا عليه ) زاد الكشميهني من رواية البخاري من الإثم ، قال الحافظ : وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره والحديث في الموطأ بدونها .

وقال ابن عبد البر : لم يختلف على مالك في شيء منه ، وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها ولم أرها في شيء من الروايات مطلقا ، لكن في مصنف ابن أبي شيبة يعني من الإثم ، فيحتمل أن تكون ذكرت حاشية فظنها الكشميهني أصلا لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ ، وقد عزاها المحب الطبري في الأحكام للبخاري وأطلق فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في إيهامه أنها في الصحيحين انتهى .

وجملة ماذا عليه في محل نصب سادة مسد مفعولي يعلم ، وجواب لو قوله : ( لكان أن يقف ) أي وقوفه ( أربعين خيرا ) بالنصب خبر كان ، وفي رواية بالرفع على أنه عدا وسوغ الابتداء بالنكرة كونها موصوفة ، قال ابن العربي : ويحتمل أن اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها ( له من أن يمر بين يديه ) حتى لا يلحقه ذلك الإثم .

وقال الكرماني : جواب لو ليس هو المذكور بل التقدير لو يعلم ما عليه لوقف أربعين ، ولو وقف أربعين لكان خيرا له ، وأبهم المعدود تفخيما للأمر وتعظيما ، قال الحافظ : ظاهر السياق أنه عين المعدود لكن شك الراوي فيه ، ثم أبدى الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين : إحداهما : كون الأربعة أصل جميع الأعداد فلما أريد التكثير ضربت في عشرة .

ثانيهما : كون كمال أطوار الإنسان بأربعين كالنطفة والعلقة والمضغة وكذا بلوغ الأشد ، ويحتمل غير ذلك انتهى .

وفي ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة : لكان أن يقف مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها ، وهذا مشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لا لخصوص عدد معين ، وجنح الطحاوي إلى أن التقييد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين زيادة في تعظيم الأمر على المار لأنهما لم يقعا معا ، إذ المائة أكثر من الأربعين والمقام مقام زجر وتخويف ، فلا يناسب أن [ ص: 537 ] يتقدم ذكر المائة على الأربعين بل المناسب أن يتأخر ، ومميز الأربعين إن كان هو السنة ثبت المدعى عليه أو ما دونها فمن باب أولى .

( قال أبو النضر : لا أدري أقال ) بهمزة الاستفهام بسر بن سعيد ( أربعين يوما أو شهرا أو سنة ) وللبزار من طريق أحمد بن عبدة الضبي عن ابن عيينة عن أبي النضر : لكان أن يقف أربعين خريفا .

وجعل ابن القطان الجزم في طريق ابن عيينة والشك في طريق غيره دالا على التعدد .

قال الحافظ : لكن رواه أحمد وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وغيرهم من الحفاظ عن ابن عيينة عن أبي النضر بالشك أيضا ، ويبعد أن الجزم والشك وقعا من راو واحد في حالة واحدة إلا أن يقال : لعله تذكر في الحال فجزم وفيه ما فيه ، وفي الحديث دليل على تحرير المرور فإن معناه النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك ، ومقتضاه أن يعد في الكبائر ، وفيه أخذ القرين عن قرينه ما فات أو استثباته فيما سمع معه والاعتماد على خبر الواحد ، لأن زيدا اقتصر على النزول مع القدرة على العلو اكتفاء برسوله المذكور ، واحتمال أنه أرسله ليعلم هل عنده علم فيلقاه فيأخذه عنه ، رده الباجي بأنه أرسله يسأله ماذا سمع ولم يرسله يسأله هل سمع ، وفيه استعمال لو في الوعيد ، ولا يدخل ذلك في النهي لأن محله أن يشعر بما يعاند المقدور ، واستنبط ابن بطال من قوله لو يعلم أن الإثم يختص بمن يعلم بالنهي وارتكبه ، قال الحافظ : وأخذه من ذلك فيه بعد لكن هو معروف من أدلة أخرى ، وظاهر الحديث أن الوعيد يختص بمن مر لا بمن وقف عامدا مثلا بين يدي المصلي أو قعد أو رقد ، لكن إن كانت العلة فيه التشويش على المصلي فهو في معنى المار ، وظاهره عموم النهي في كل مصل ، وخصه بعض المالكية يعني ابن عبد البر بالإمام والمنفرد لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه لأن سترة إمامه سترة له أو إمامه سترة له ، والتعليل المذكور لا يطابق المدعى لأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي لا عن المار ، والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .

التالي السابق


الخدمات العلمية