صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبا وماشيا
402 402 - ( مالك ، عن نافع ) كذا ليحيى والقعنبي وابن وهب وإسحاق الطباع ، وقال جل الرواة عن عبد الله بن دينار .

وقال ابن عبد البر : الحديث صحيح عنهما ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء ) بضم القاف ، وموحدة ممدود عند أكثر اللغويين ، قال الشاعر :


ألا ليت شعري هل تغير بعدنا قباء وهل زال العقيق وحاضره .



وأنكر بعضهم قصره لكن حكاه صاحب العين ، قال البكري : من العرب من يذكره فيصرفه ، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه ، وفي المطالع على ثلاثة أميال من المدينة ، وقال ياقوت : على ميلين على يسار قاصد مكة ، وهو من عوالي المدينة سمي باسم بئر هناك ، قال أبو عمر : اختلف في سبب إتيانه فقيل : لزيارة الأنصار ، وقيل : للتفرج في حيطانها ، وقيل : للصلاة في مسجدها وهو الأشبه ، وفي مسلم من رواية ابن عيينة والبخاري من رواية عبد العزيز بن مسلم ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي مسجد قباء كل سبت " ، ( راكبا ) تارة ( وماشيا ) أخرى بحسب ما تيسر ، والواو بمعنى أو ، زاد مسلم من رواية عبيد الله ، عن نافع : ( فيصلي فيه ركعتين ، وزاد الشيخان في الطريق المذكورة ، وكان عبد الله بن عمر يفعله وخص السبت لأجل مواصلته لأهل قباء وتفقده لحال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه - صلى الله عليه وسلم - في مسجده بالمدينة ، قال أبو عمر : لا يعارضه [ ص: 578 ] حديث : " لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد " لأن معناه عند العلماء في النذر إذا نذر أحد الثلاثة لزمه إتيانه ، أما إتيان مسجد قباء وغيره تطوعا بلا نذر فيجوز ، وإعمال المطي معناه الكلفة والمعونة والمشقة .

وقال الباجي : ليس إتيان قباء من المدينة من إعمال المطي ؛ لأنه من صفات الأسفار البعيدة ، ولا يقال لمن خرج من داره إلى المسجد راكبا أنه أعمل المطي ، ولا خلاف في جواز ركوبه إلى المسجد قريب منه في جمعة أو غيرها ، ولو أتى أحد إلى قباء من بلد بعيد لارتكب النهي .

قال الحافظ : وفي الحديث فضل قباء ومسجدها وفضل الصلاة فيه لكن لم يثبت في ذلك تضعيف بخلاف المساجد الثلاثة .

وروى عمر بن شيبة في أخبار المدينة بإسناد صحيح ، عن سعد بن أبي وقاص قال : لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل ، انتهى .

روى النسائي وقاسم بن أصبغ ، عن سهل بن حنيف مرفوعا : " من توضأ فأحسن الدفع ثم خرج حتى يأتي مسجد قباء فيصلي فيه كان له عدل عمرة " وفي رواية عند قاسم : " ثم خرج عامدا إلى مسجد قباء لا يخرجه إلا الصلاة فيه كان له بمنزلة عمرة " وللترمذي ، عن أسيد بن ظهير رفعه : " الصلاة في مسجد قباء كعمرة " والجمهور أنه المراد بقوله تعالى : لمسجد أسس على التقوى ( سورة التوبة : الآية 108 ) وذهب قوم منهم ابن عمر وأبو سعيد وزيد بن ثابت إلى أنه مسجد المدينة وحجته قوية فقد صح مرفوعا نصا ، أخرج مسلم ، عن أبي سعيد : " سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال : " هو مسجدكم هذا " ولأحمد والترمذي ، عن أبي سعيد : " اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما : هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الآخر : هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه ، عن ذلك فقال : هو هذا وفي ذلك خير كثير " وأخرج أحمد ، عن سهل بن سعد نحوه ، ومن وجه آخر ، عن سهل ، عن أبي بن كعب مرفوعا .

ولهذه الأحاديث وصحتها جزم مالك في العتبية بأنه مسجد المدينة .

وقال ابن رشد في شرحها : إنه الصحيح ، قال الحافظ : والحق أن كلا منهما أسس على التقوى .

وقوله تعالى في بقية الآية : فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( سورة التوبة : الآية 108 ) يؤيد أن المراد مسجد قباء .

ولأبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا نزلت : رجال يحبون أن يتطهروا في أهل قباء .

وعلى هذا فالسر في جوابه - صلى الله عليه وسلم - بأنه مسجده ، رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء .

قال الداودي وغيره : ليس هذا اختلافا ؛ لأن كلا منهما أسس على التقوى ، وكذا قال السهيلي : وزاد ، لكن قوله : من أول يوم ( سورة التوبة : الآية 108 ) يقتضي مسجد قباء ؛ لأن تأسيسه في أول يوم حل النبي - صلى الله عليه وسلم - بدار الهجرة ، انتهى .

والحديث رواه مسلم ، عن يحيى ، عن مالك ، عن ابن دينار به ، وتابعه عبد العزيز بن مسلم في البخاري ، وإسماعيل بن جعفر [ ص: 579 ] وسفيان بن عيينة في مسلم ثلاثتهم ، عن ابن دينار ، وتابعه في روايته عن نافع أيوب السختياني في الصحيحين ، وعبيد الله بن عمر وابن عجلان كلاهما في مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية