صفحة جزء
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين
459 461 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن سعيد بن المسيب أنه قال ) أرسله في الموطأ وأسنده محمد بن خالد بن عثمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، لكن انفرد به عن محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن نجيح ، وعبد الرحمن ضعيف لا يحتج به ، وقد جاء معناه مسندا من حديث البراء وغيره في التمهيد ( صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا ) وكذا رواه مسلم والنسائي وأبو عوانة من طرق أربعة عن أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء بن عازب ، ورواه أحمد بسند صحيح عن ابن عباس ورجحه النووي ، وفي البخاري ومسلم والترمذي من وجهين عن أبي إسحاق عن البراء ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا بالشك ، وللبزار والطبراني عن عمرو بن عوف ، والطبراني عن ابن عباس سبعة عشر شهرا . قال القرطبي : وهو الصحيح .

قال الحافظ : والجمع بينها سهل بأن من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا وألغى الأيام الزائدة ، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معا ، ومن شك تردد في ذلك وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف ، وكان التحويل في نصف رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور ، ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس ، وقال ابن حبان : سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام وهو مبني على أن القدوم ثاني ربيع الأول ، ولابن ماجه : ثمانية عشر شهرا وهو شاذ ، كرواية ثلاثة عشر شهرا ورواية تسعة أشهر وعشرة أشهر وشهرين وسنتين ، ويمكن حمل الأخيرة على الصواب ، وأسانيد الجميع ضعيفة ، والاعتماد على الثلاثة الأول فجملتها تسع روايات ، انتهى .

وكأنه لم يعد رواية الشك وإلا كانت عشرة ، أو لم يعد قول ابن حبان لإمكان أنه مرادا لقائل سبعة عشر بإلغاء الثلاثة أيام ، وكذا لم يعدها صاحب [ ص: 667 ] النور وعد الأقوال عشرة فزاد القول بأنه بضعة عشر شهرا ، ولم يعده الحافظ لأنه يمكن تفسيره بكل ما زاد على عشرة . ( نحو بيت المقدس ) بأمر الله تعالى على الأصح ، وقول الجمهور ليجمع له بين القبلتين كما عد من خصائصه على الأنبياء والمرسلين وتأليفا لليهود كما قال أبو العالية خلافا لقول الحسن البصري أنه باجتهاده ، ولقول الطبري " خير بينه وبين الكعبة فاختاره طمعا في إيمان اليهود ، ورد بما رواه ابن جرير عن ابن عباس : لما هاجر - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا وكان يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزلت الآية يعني : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) ( سورة البقرة : الآية 144 ) فارتابت اليهود وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) ( سورة البقرة : الآية 115 ) وظاهره أن استقباله إنما وقع قبل الهجرة إلى المدينة ، لكن روى أحمد من وجه آخر عن ابن عباس : " كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي بمكة نحو بيت المقدس ، والكعبة بين يديه " وجمع الحافظ بأنه لما هاجر أمر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس . وأخرج الطبري ، عن ابن جريج قال - صلى الله عليه وسلم - أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ، ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ، ثم وجهه الله إلى الكعبة . وقوله في حديث ابن عباس الثاني : " والكعبة بين يديه " يخالف ظاهر حديث البراء عند ابن ماجه أنه كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس محضا .

وحكى الزهري خلافا في أنه كان بمكة يجعل الكعبة خلف ظهره أو يجعلها بينه وبين بيت المقدس ، فعلى الأول كان يجعل الميزاب خلفه ، وعلى الثاني كان يصلي بين الركنين اليمانيين . وزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة بمكة فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ثم نسخ ؛ وهو ضعيف ، ويلزم منه دعوى النسخ مرتين ، والأول أصح ؛ لأنه يجمع به بين القولين ، وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس . ا هـ . ولا يخالف قول ابن العربي : نسخ الله القبلة ونكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية مرتين مرتين ، زاد غيره : والوضوء مما مست النار ؛ لأن مراد الحافظ أن خصوص نسخ بيت المقدس لم يتعدد ، وما أثبته ابن العربي نسخ القبلة في الجملة بمعنى أنه أمر بالكعبة ثم نسخ بيت المقدس ثم نسخ بالكعبة كما هو مدلول عليه أثر ابن جريج ( ثم حولت القبلة قبل ) غزوة ( بدر بشهرين ) لأنها كانت في رمضان والتحويل في نصف رجب من السنة الثانية ، واختلف المسجد الذي وقع فيه التحويل ، فعند ابن سعد في الطبقات أنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه ودار المسلمون ، ويقال إنه - صلى الله عليه وسلم - زار أم بشر بن البراء بن معرور في بني [ ص: 668 ] سلمة فصنعت له طعاما وحانت الظهر ، فصلى بأصحابه ركعتين ثم أمر فاستداروا إلى الكعبة فسمي مسجد القبلتين . قال الواقدي : هنا عندنا أثبت ، انتهى .

وأفاد الحافظ برهان الدين أن التحويل وقع في ركوع الثالثة فجعلت كلها ركعة للكعبة مع أن قيامها وقراءتها وابتداء ركوعها للقدس ؛ لأنه لا اعتداد بالركعة إلا بعد الرفع من الركوع ولذا يدركها المسبوق قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية