التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1277 [ ص: 211 ] حديث سادس لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين أخبرتها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عندها ، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة ، قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلانا " لعم حفصة من الرضاعة ، فقالت عائشة : يا رسول الله لو كان فلان حيا - لعمها من الرضاعة - دخل علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة .


قد مضى القول في معنى هذا الحديث ، وما كان مثله في باب ابن شهاب ، عن عروة ، فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا .

[ ص: 212 ] وقد نسبنا عمرة بنت عبد الرحمن فيما مضى أيضا من كتابنا هذا .

وأما قوله في هذا الحديث : لعم حفصة من الرضاعة ، فإنه كان عمها ; لأنه كان أخا عمر بن الخطاب من الرضاعة , أرضعتهما امرأة واحدة ، وليس كأفلح أخي أبي القعيس عم عائشة ، وقد ذكرنا كيف المعنى في قصة عائشة مع أخي أبي القعيس في باب ابن شهاب ، عن عروة ، فلا معنى لتكريره هاهنا .

وأما قوله في هذا الحديث : إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ففيه دليل على أن امرأة الابن من الرضاعة محرمة ، فإن ظن ظان أن في قول الله عز وجل : ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) دليلا على أن الأبناء من الرضاعة لا تحرم حلائلهم على آبائهم ، فليس كما ظن ; لأن هذه الآية إنما نزلت في حلائل الأبناء من الأصلاب نفيا للذين تبنوا ، ولم يكونوا أبناء مثل زيد بن حارثة ، إذ تبناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يدعى زيد بن محمد حتى نزلت ( ادعوهم لآبائهم ) ، ثم نكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأته بعد أن قضى زيد منها وطره وطلقها ، فمعنى قوله : الذين من أصلابكم يريد غير المتبنين .

وأما الرضاعة فلا ، ألا ترى إلى قول الله [ ص: 213 ] عز وجل : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) بعد قوله : ( وحلائل أبنائكم ) أنه قد دخل فيه بإجماع المسلمين الأختان من الرضاعة لما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرضاعة أنها تحرم ما يحرم النسب ، فلو تزوج رجل صبيتين رضيعتين فجاءت امرأة فأرضعتهما صارتا أختين بالرضاع وحرمتا عليه ، واستأنف نكاح أيتهما شاء . فقف على الأصل في هذا الباب ، وفي كل باب - تعرف به وجه الصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية