التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
744 [ ص: 239 ] حديث تاسع لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن خلاد بن السائب الأنصاري ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ، أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية ، أو بالإهلال يريد أحدهما .


هذا حديث اختلف في إسناده اختلافا كثيرا وأرجو أن تكون رواية مالك فيه أصح ذلك إن شاء الله .

فأما الثوري فروى هذا الحديث عن عبد الله بن أبي لبيد ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن خلاد بن السائب ، عن زيد بن خالد الجهني قال : قال رسول الله [ ص: 240 ] صلى الله عليه وسلم : جاءني جبريل فقال : مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية ، فإنها شعار الحج ذكره ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن سفيان الثوري بهذا الإسناد .

وذكر ابن سنجر ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي لبيد ، قال : أخبرنا المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن خلاد بن السائب ، عن أبيه ، عن زيد بن خالد الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل فقال : ارفع صوتك بالإهلال ، فإنه شعار الحج هكذا قال قبيصة : خلاد بن السائب ، عن أبيه ، ولم يقل : وكيع ، عن أبيه .

وقد مضى القول في معنى التلبية ، والإهلال فيما سلف من هذا الكتاب ، والمعنى فيهما واحد ، وذلك رفع صوت الحاج بلبيك اللهم لبيك على ما مضى في حديث نافع عن ابن عمر من ألفاظ التلبية .

واختلف العلماء في وجوب التلبية وكيفيتها ، فذهب أهل الظاهر إلى وجوب التلبية ، منهم : داود ، وغيره ، وقال سائر أهل العلم : ذلك من سنن الحج وزينته ، وكان مالك يرى على من ترك التلبية من أول إحرامه إلى آخر حجه دما يهريقه ، وكان الشافعي ، وأبو حنيفة لا يريان عليه شيئا ، وإن كان قد أساء عندهم ، وقد مضت هذه المسألة في باب نافع من هذا الكتاب مجودة ، وكذلك أوجب أهل الظاهر رفع الصوت بالتلبية ، [ ص: 241 ] ولم يوجبه غيرهم ، وقال مالك : يرفع المحرم صوته بالتلبية قدر ما يسمع نفسه ، وكذلك المرأة ترفع صوتها قدر ما تسمع نفسها ، وقال في الموطأ : لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في المساجد مساجد الجماعة ليسمع نفسه ، ومن يليه إلا المسجد الحرام ، ومسجد منى ، فإنه يرفع صوته فيهما . قال : ويلبي عند اصطدام الرفاق ، وقال إسماعيل بن إسحاق : الفرق بين المسجد الحرام ، ومسجد منى وبين سائر المساجد في رفع الصوت بالتلبية - أن مساجد الجماعة إنما بنيت للصلاة خاصة فكره رفع الصوت فيها وجاءت الكراهية في رفع الصوت فيها عاما لم يخص أحد من أحد إلا الإمام الذي يصلي بالناس فيها ، فدخل الملبي في الجملة ، ولم يدخل في ذلك المسجد الحرام ومسجد منى ; لأن المسجد الحرام جعل للحاج وغير الحاج ، قال الله عز وجل : سواء العاكف فيه والبادي وكان الملبي إنما يقصد إليه ، فكان له فيه من الخصوص ما ليس في غيرها .

وأما مسجد منى ، فإن للحاج خاصة ، قال : وقد ذكر أبو ثابت عن ابن نافع ، عن مالك أنه سئل عن المحرم : هل يرفع صوته بالتلبية في المساجد التي بين مكة ، والمدينة ؟ قال : نعم ، لا بأس بذلك ، قال : إسماعيل : لأن هذه المساجد إنما جعلت للمجتازين وأكثرهم المحرمون ، فهم من النحو الذي وصفنا ، وقال [ ص: 242 ] الشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وأصحابهم : يرفع المحرم صوته بالتلبية . قال الشافعي : ويلبي عند اصطدام الرفاق ، والإشراف ، والهبوط ، واستقبال الليل ، وفي المساجد كلها .

وقد كان الشافعي يقول بالعراق مثل قول مالك ثم رجع إلى هذا على ظاهر الحديث المذكور في هذا الباب وعمومه ; لأنه لم يخص فيه موضعا من موضع ، وكان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية ، وقال ابن عباس : هي زينة الحج . وقال أبو حازم : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية .

وأجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها ، وإنما عليها أن تسمع نفسها ، فخرجت من جملة ظاهر الحديث ، وخصت بذلك ، وبقي الحديث في الرجال وأسعدهم به من ساعده ظاهره ، وبالله التوفيق .

وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : كان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية ، فلا يأتي الروحاء حتى يصحل صوته ، أو يشخب صوته .

قال أبو عمر : لا وجه لقوله : أو يشخب ، والصحيح يصحل ، قال الخليل : صحل صوته صحلا ، فهو صحل إذا كانت فيه بحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية